خاصمقالات

شبح التكنولوجيا يلاحق الصحف الورقية 

شارك هذا الموضوع:

هاشتاق عربي – إبراهم المبيضين

مرّ التطوّر التكنولوجي الإتصالاتي منذ ثمانينيات القرن الماضي بثلاثة موجات تطور بنيت على بعضها البعض، كان أولها طفرة وانتشار الحواسيب الشخصية الثابتة في الثمانينيات، ومن ثم أعقبتها موجة وطفرة انتشار الانترنت، فيما ظهرت اخر هذه الموجات منذ اكثر من عشر سنوات مع ثورة الهواتف الذكية وما قدمته من تطبيقات على راسها شبكات التواصل الاجتماعي.

ظلت الصحف الورقية صامدة في وجه اول موجتين من موجات التطور التقني الاتصالاتي، عندما كنّا بحاجة الى مكان ثابت لكي نتصفح الانترنت ونطلع على اخر الأخبار عبر المواقع الالكترونية، ……

بيد ان قدوم الهواتف الذكية وتطبيقاتها جعل الانترنت بين ايدينا والعالم كله في جيوبنا نطلع على اخر اخباره ومستجداته بكبسة زر اينما ذهبنا وتنقلنا، وهو الامر الذي خفض كثيرا من حجم الاقبال على الصحف الورقية التي اصبحت تعاني في مختلف دول العالم تراجعا واضحا في مبيعاتها مع تكاليف كبيرة بدات تثقل كاهلها ما استدعى البحث عن حلول ناجعة للاستمرار ومواكبة هذا التطور المخيف الذي استقطب نحو 3.2 مليار مستخدم الى الشبكة العنكبوتية.

اذا فتراجع الإعلام ” الورقي” لصالح ” الرقمي” يرجع الى تطوّر كبير في الجانب التقني وخصوصا مع طفرة استخدام الانترنت وانتشار المواقع الاخبارية الالكترونية التي بدأت تنقل الاخبار اولا بأول في اللحظة، رافق ذلك انتشار كبير للهواتف الذكية وشبكات التواصل الاجتماعي التي بدات تنافس حتى المواقع الاخبارية الالكترونية في سرعة نقلها للخبر ومن قلب الحدث مع انتشار كبير وتوفير وسائل وادوات للتفاعل المباشر والتعليق والحوار، مع تحول ملموس في سلوكيات الناس التي لم تعد تطيق – مع توفر الوسائل التقنية – الصبر لليوم التالي حتى وقت صدور الصحيفة الورقية لقراءة الخبر، فضلا عن ميزة الانتشار والوصولية للاعلام الرقمي والى اماكن لا يستطيع ” الورقي” التوزيع فيها او الوصول اليها.

ولكن رغم ذلك كلّه ومع تحليلات وخبراء يرون بان ” عملاق” التكنولوجيا سيقتل الصحيفة الورقية في وقت قريب، أرى بأن هذا المشهد لا يزال بعيدا مع بقاء نسبة من الناس ستضل تحب شراء واقتناء الصحيفة الورقية وتفضل قراءة ” الورقي”، مع تميزه في مجال تناول الاخبار بتحليلات ورصد لما وراء الخبر، وإنتاج قصص اخبارية وتحقيقات قد لا يستطيع الاعلام الرقمي صناعتها، فضلا عن وجود نسبة كبيرة من الناس اليوم لا تزال خارج دائرة استخدام الانترنت والهواتف الذكية التي لا يستطيع الجميع اقتناءها ، والارقام العالمية تقول بان 4 مليارات نسمة حول العالم لا تزال محرومة من خدمات الانترنت.

أرى بان ” الصحيفة الورقية ” ستصمد لوقت اطول مما يتوقع البعض ، ولكن رغم قناعتي هذه فانا ارى بان على ادارات المؤسسات الاعلامية ان تعمل جاهدة وبسرعة على مواكبة التطور التقني بالتركيز اكثر على مواقعها الالكترونية وتطويرها لملاحقة تغير سلوكيات الناس، والتواجد واستحداث صفحات على شبكات التواصل الاجتماعي للتفاعل وتزويد المستخدم باخر الاخبار، مع التوجه ايضا الى صناعة محتوى مميز يركز على ” الصور والفيديوهات من قلب الحدث”، فكل المؤشرات تدلل على تزايد في استخدام البيانات وشبكات التواصل الاجتماعي والمحتوى الفيديوي اكثر من اي وقت مضى.

مؤخرا قررت المجموعة الإعلامية التي تمتلك صحيفة “إندبندنت” البريطانية وإصدارها الأسبوعي “إندبندنت أون صنداي” وقف الإصدار الورقي للصحيفة في أواخر الشهر الجاري بعد تاريخ طويل امتد لـ 30 عاما ، لتستمر فقط في صيغتها الإلكترونية،…

عربيا وتحديدا في الصحافة اللبنانية – التي تُعتبر أم الصحافة العربية وأكثرها عراقة ، فان صحفا لبنانية بدأت تعاني اليوم من خطر الاقفال ورقياً والاكتفاء بالصدور الكترونياً، مثل صحف ” السفير” و ” النهار.

عرفت الصحافة الإلكترونية في عام 1993 بإصدار صحيفة “سان جوزيه ميركوري” الأمريكية، تلاها تدشين أول ظهور إلكتروني لصحيفتي “ديلي تليغراف” و” التايمز” البريطانيتين عام 1994.

عربيًا، كانت صحيفة ” الشرق الاوسط” من أوائل الصحف العربية التي ظهرت على الشبكة العنكبوتية في 9 أيلول 1995، ثم تلتها صحيفة النهار اللبنانية، التي أصدرت طبعة إلكترونية يومية بدءًا من الأول من كانون الثاني 1996، وبعدها صدرت صحيفة السفير اللبنانية.

لقد اثر التقني على مختلف جوانب الحياة التقليدية، وعدم مواكبته خطأ كبير، وذلك لا يقتصر على الصحافة الورقية، فالهواتف الخلوية العادية هددت الهاتف الارضي، والرسائل النصية والايميل هددت البريد التقليدي، والهواتف الذكية نافست الهواتف الخلوية التقليدية وفازت قي السباق، والساعات الذكية بدات تهدد الساعات التقليدية، وشبكات التواصل الاجتماعي هددت ونافست بقوة المنتديات الالكترونية والمدونات، اذا على الاعلام الورقي قراءة المشهد ومجاراة التطور للحفاظ على رونقها واستمراريتها مستقبلا وان تعتمد الاعلام الالكتروني جزءا رئيسيا من عملها. 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى