مقالات

أعظم مشروع اتصالات في التاريخ

شارك هذا الموضوع:

 هاشتاق عربي

فهد عامر الأحمدي

يوافق هذا الشهر (أبريل 2016) مرور ستة وخمسين عاما على إنشاء أكثر مشروعات الاتصالات جرأة وشجاعة في التاريخ.. مشروع “أوزما” للاتصالات الفضائية الذي تم تخصيصه للبحث عن حياة ذكية في الكون.. بدأ عمله في أبريل 1960 قبل عام من دوران غاغارين الروسي حول الأرض، وتسع سنوات من هبوط أول انسان على سطح القمر..

وهو ليس اكثر من تلسكوب راديوي بقطر 85 قدما يمسح مواقع مختارة من الفضاء البعيد.. أشرف عليه منذ البداية عالم الفلك فرانك دراك الذي اختار موقعه الحالي في غرب فيرجينيا. وقد بدأ فرانك هذا المشروع بعد ان قرأ بحثا يقترح استعمال تلسكوب راديوي (بدل البصري المعتاد) لرصد أي موجات راديوية صادرة عن الحضارات المتقدمة في الكون..

فكر أنت بالموضوع جيدا؛ التلسكوبات البصرية ترى الكون لمسافات محدودة وضمن نطاق ضوئي ضيق، ناهيك عن التشوهات البصرية الناجمة عن تموجات الغلاف الجوي والسحب والأتربة العالقة فيه، في حين يمكن للتلسكوب الراديوي رصد النشاطات اللاسلكية القادمة من مسافات ضوئية سحيقة ورؤية النجوم والمجرات والأجرام من خلال تردداتها الكهرومغناطيسية

.. ويمكن القول إن مشروع أوزما تبلور من خلال التجارب اللاسلكية الأولى في عشرينيات القرن الماضي.. ففي ذلك الوقت التقط الإنسان ما يمكن اعتباره أول إشارات راديوية ذكية من الفضاء الخارجي؛ ففي عام 1927 (والراديو في بداية عهده) كانت مجموعة من المهندسين على جانبي الأطلسي تقوم بتجارب لالتقاط الإشارات اللاسلكية المرسلة. إلا أن مهندسا يدعى فان دربل استلم الرد أسرع من المعتاد وكأن الإشارات المرسلة اصطدمت بجسم قريب من الأرض أعادها إليه. وبمعاونة مهندس من شركة فيليبس يدعى هالز تابع تلك الإشارات التي سرعان ما اتخذت شكلاً ذكياً ومقصوداً (وكأن هناك من يرد عليهما أو ينوي مشاكستهما بمنعها من الذهاب لوجهتهنا).

وقد استمرا في التقاط تلك الإشارات وتوثيقها طوال سنتين، وما زالت لغزا يستعصي على الحل!

.. غير أن مشروع أوزما يعد الأول من نوعه، والوحيد حينها المخصص رسميا لهذا الغرض.. والحقيقة هي أن قيام المشروع ذاته شجع على إنشاء 60 مشروعا مماثلا والتقاط أكثر من 70 إشارة لاسلكية تشي بوجود اتصالات صنعية في الكون.. فهناك مثلا مشروع فونكس (الذي تديره جمعية البحث عن الحضارات الكونية في كاليفورنيا)، والذي يعد من اكبر وأضخم المشروعات المماثلة.. أما وكالة ناسا فأنشأت عام 1992 (بمناسبة مرور 500 عام على اكتشاف أميركا) عملية استكشاف راديوية ضخمة اعتمدت على فكرة تعاضد عدة تلسكوبات راديوية لتنسيق عمليات البحث (لمدة عشرة أعوام) عن كواكب مماثلة للأرض.. وأيضا مخلوقات غيرنا في درب اللبانة..

ما يحيرني فعلا (ولا يجعلني متفائلا حتى في حال التقاط رسالة كونية ذكية) هو أن أي إشارة يتم التقاطها يكون قد مضى على سفرها آلاف السنين.. فلو افترضنا مثلا التقاط إشارات ذكية موجهة إلينا من مجرة الاندروميدا (وهي الأقرب إلينا) فهذا يعني انها انطلقت قبل مليوني سنة ضوئية على الأقل..

ومليونا سنة ليسا بالوقت القليل حيث لم يكن الانسان حينها قد ظهر أصلا على وجه الأرض؛ ناهيك عن ظهور واندثار مئات الحضارات البشرية خلال سفرها إلينا فقط!!

صحيفة الرياض السعودية

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى