شبكات اجتماعية

ضحكاتك على الـ «سوشال ميديا»: هل تمنعك من دخول أميركا؟

شارك هذا الموضوع:

هاشتاق عربي
قبل أيام قليلة، تداولت وسائل الإعلام خبراً مفاده أن وزارة الدفاع الأميركيّة أعربت عن احترامها للحق العام في الوصول إلى الإنترنت حتى في الرقّة (شمال سورية) والموصل (شمال العراق)، وهما المعقلان الكبيران لتنظيم «داعش» في البلدين. وأثناء جلسة استجواب في الكونغرس، أورد مساعد وزير الدفاع لشؤون الأمن القومي الأميركي توماس آتكين أنه «من المهم منع «داعش» من الوصول إلى الإنترنت لكن يجب أن نحترم أيضاً حق المواطنين في الوصول إلى الإنترنت… إنّه توازن دقيق، يجب الحفاظ عليه حتى في الرقّة والموصل». وجاء تصريح آتكين في سياق ردّه على سؤال من النائب في الحزب الجمهوري مارثا ماكسالي في شأن أسباب عدم حجب الإنترنت في الرقة، التي رأت فيها ماكسالي «وكراً يدير منه أفراد «داعش» عمليات استهدفت الأميركيّين وغيرهم».
ربما لا يصعب على متابعي الطريقة التي تتعامل بها الولايات المتحدة مع وجود «داعش» وأضرابه من تنظيمات التكفير الإرهابي، على الإنترنت. ومن دون نية استعادة ذلك الشأن المعقّد، يمكن لفت النظر إلى زاوية صغيرة نسبيّاً في ذلك الشأن، هي المعلومات التي يقدّمها الناس (طوعاً، بل بفرح وحبور فائضين) على صفحات الـ «سوشال ميديا». لنتأمل الأمر من وجهة «استخباراتيّة»، قدر المستطاع! أليست صفحات الـ «سوشال ميديا» معلومات تفصيليّة دقيقة يقدّمها الأفراد بأنفسهم (وذلك يساوي اعترافاً مكتوباً)، عن أنفسهم وأحوالهم وآرائهم وعلاقاتهم واتصالاتهم و… كافة مناحي حياتهم؟ لا يكتفي جمهور الـ «سوشال ميديا» بذلك، بل يدعمه بـ «وثائق» تشمل الصور وأشرطة الفيديو والتسجيلات الصوتيّة، وكلّها موثّقة بالتاريخ والموقع الجغرافي أيضاً. أليست تلك ثروة مذهلة تفوق ما تحويه «مغارة علي بابا» الأسطوريّة من المعلومات والبيانات والوثائق، عن كل فرد في كل مكان؟
أليس ذلك ما دلّت عليه وثائق إدوارد سنودن عن النشاطات التجسسيّة الشاملة لـ «وكالة الأمن القومي» الأميركيّة؟ إذاً، ربما يرد في البال أيضاً أن رقة قلب البنتاغون حيال الموصل والرقة، تتضمن حرصه على المعلومات التي ربما خرجت منهما، خصوصاً أن «داعش» يفرض رقابة صارمة على الاتصالات عبر الانترنت، ما يزيد من قيمة كل معلومة توضع على تلك الشبكة من المناطق التي يسيطر «داعش» عليها، خصوصاً تلك التي تأتي عبر مواقع الـ «سوشال ميديا»؟
التغريدات وقوانين الـ «فيزا» الأميركيّة
لا يتعلّق الأمر بافتراضات، ولا يتوقّف عند سنودن ووثائقه. وفي زمن قريب تماماً من تصريح مسؤول البنتاغون، تداول الإعلام خبراً لا يخلو من الدلالة عن طريقة تعامل الأجهزة الاستخباراتيّة والأمنيّة الأميركيّة مع الـ «سوشال ميديا».
وقبل الدخول إلى تفاصيل ذلك الخبر، يجدر القول إن زمن الإنترنت حاضراً يبدو كأنّه يتّجه إلى استحضار ذهنيّة «محاكمة الساحرات» بطريقة مكشوفة، خصوصاً إذا تكللت مساعي «وزارة الأمن القومي الأميركيّة»US Department of Homeland Security، بوضع الحساب الشخصي على الـ «سوشال ميديا»، ضمن شروط الحصول على «فيزا» لدخول «بلاد العم سام». ووفق ما تناقلت وسائل إعلام عالميّة عدّة، كالـ «بي بي سي» و «سكاي نيوز»، أُدرج ذلك الاقتراح ضمن أعمال قسم «الجمارك وحماية الحدود» في 27 حزيران الماضي، ما يعني ضرورة الحسم في شأنه خلال 60 يوماً. وفي حال إقراره، سيدرج ذلك البند ضمن استمارة طلب الـ «فيزا»، تحت بند «مُعرّفات الـ «سوشال ميديا»» Social Media Identifiers. واستطراداً، لاحظ جوزيف لورنزو هال، وهو مسؤول القسم التقني في «مركز الديموقراطية والتكنولوجيا» (أحد المراكز الأميركيّة التي تنشط في الدفاع عن الحريّات العامة والشخصيّة على الإنترنت)، أن وضع بند «معرّفات الـ «سوشال ميديا» تحت فئة «اختياري – غير ملزم» («أوبشِنال» Optional)، لا يخفف دلالته القاسية على الحرية. وأشار إلى أنه من الصعب تصوّر أن الناس سوف لن تضع تلك المعلومات، خشية الظن بأن لديها ما تخفيه، وتالياً حرمانها من الـ «فيزا». وفي تصريح نقلته الـ «بي بي سي»، أعرب هال عن اعتقاده بأن «الديموقراطية تعني وجود مساحات متحرّرة من رقابة الحكومة وعيونها المدقّقة… ونحن نعيش في زمن صارت غالبية الحياة الاجتماعيّة فيه تحدث عبر شبكات الـ «سوشال ميديا»».
«تهم» التنكيت والبوح بصبوات الجسد
حاضراً، يبدو أنه صار متوجّباً الحذر عند إصدار وعود ضبابيّة عن «مشاكسة» دوليّة، حتى لو كانت صبوات جنسيّة لأجساد في بلدان أخرى أو عزماً على تشجيع متحمّس لمنتخب وطني في كرة القدم؛ في أي مكان على الإنترنت، خصوصاً الصفحات الشخصيّة على مواقع الـ «سوشال ميديا».
في 2012، قبيل انطلاقه لقضاء عطلة في «لوس أنجلوس»، بثّ شاب إرلندي اسمه لي فان برايان، تغريدة على «تويتر» قال فيها: «أنا حرّ هذا الأسبوع، كي أنجز بعض النميمة والتحضيرات، قبل أن أذهب لتدمير أميركا»! لم تلبث كلماته أن صارت وبالاً عليه.
وحينها، التقط موظّفون حكوميّون أميركيّون تغريدته المتفاخرة على الـ «سوشال ميديا». وقارنوا بياناتها بلوائح القادمين إلى أميركا جوّاً. وكانوا بانتظار ذلك الشاب في المطار عند وصوله من إرلندا. لم تكن كلماته سوى مزاح وإيحاءات جنسيّة وذكوريّة، لكنه خضع لاستجواب دام 5 ساعات، قبل إعادته إلى بلاده. من المستطاع المحاججة بأن التنكيت في المطارات عن التفجيرات يعرّض صاحبها للاعتقال.
ويشبه القرار المتوقّع في شأن «مُعرّفات الـ «سوشال ميديا» سيفاً ذا حدّين، لكنهما كلاهما متّجهان صوب رقبة حق الأفراد في التعبير على الإنترنت، وكذلك حريّتهم في التنقل في العالم الفعلي. والأرجح أن الفزع الذي أشار إليه الخبير هال (إذا كتبت المُعرّفات تخاف، وإذا لم تكتبها تخاف أيضاً)، يأتي من ذهنيّة «محاكمة الساحرات». لنفكر في الأمر. أولاً، يعطي القرار سلطة مطلقة لمن سيقرأ صفحاتك في الـ «سوشال ميديا»، بالخروج بالاستنتاج الذي يتوافق مع تفكيره. هل لك أن تفكر في عدد التباينات الثقافيّة التي تقف بين من يكتب في مصر وباكستان والهند من جهة، ومن يقرأه في واشنطن؟ ألا يبدو أن من سيقرأ تلك الصفحات سيكون أقرب إلى صورة كهنة القرون الوسطى في تتبعهم للشيطان في حركات وسكنات من يشتبهون بهم؟ (يحضر إلى الذهن فيلم «أشباح غويا»، للمخرج الأميركي ميلوش فورمان، بطولة نتالي بورتمان- 2006).
الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى