ريادة

تونس: قصة نجاح مشروع يديره طلاب الجامعة لمواجهة الفقر

شارك هذا الموضوع:


هاشتاق عربي
تحت أشعة الشمس الحارقة؛ تنمو زهور أرجوانية فاتحة اللون بين أشجار الزيتون والصخور والعشب ذي اللون البني. وفي ظل هذه الأجواء، دوى صوت خيري خروبي، النحّال التونسي الشاب، مُحذراً “لا تقترب أكثر من ذلك، وإلا عرقلت حركة النحل، وهو ما قد يجعله يلدغك”.
كنا في قلب ريف ولاية سليانة التونسية، الواقعة على بعد نحو ساعتين بالسيارة إلى الجنوب الغربي من العاصمة تونس.
هناك استعرض خروبي (24 عاماً) ونحّالان آخران بفخرٍ خلايا النحل التي يقومون بالاعتناء بها أمام بعض الزوار.
ويشكل النحّالون الثلاثة الدفعة الأولى من المشاركين في مشروع جديد ذي طابع مجتمعي يحمل اسم “توني بيي”، يقوم على إدارته طلاب في الجامعة المتوسطية للأعمال، ومقرها تونس العاصمة.
وفي إطار هذا المشروع، يُختار أشخاصٌ ذوو خبرة في مجال تربية النحل من المناطق الفقيرة والمحرومة في تونس.
بعد ذلك، يُستفاد من الأموال التي يقدمها رعاة المشروع لتوفير مزيد من خلايا النحل للمشاركين فيه. كما يُوفر لهؤلاء التدريب والإرشاد، بغية تمكينهم من إنتاج عسل أفضل من حيث الجودة، وأكثر من حيث الكمية.
وتتكلف العناية بكل خلية لنحل العسل نحو 200 دينار تونسي (ما يوازي 91 دولاراً أمريكياً). وبموجب المشروع، يحصل رعاته على كيلوغرام ونصف من العسل سنوياً، لمدة ثلاث سنوات.
وتشكل هذه الحصة من العسل – والتي تبلغ تكاليف إنتاجها عادةً في تونس إذا كانت من نوعية جيدة ما بين 30 إلى 45 ديناراً – قرابة ثلث الإنتاج السنوي، في المتوسط، لخلية النحل في البلاد.
وخلال السنوات الثلاث الأولى، بوسع النحّالين الاحتفاظ بما يتبقى لهم من عسل؛ بعد خصم حصة الرعاة، قبل أن يتسنى لهم في المستقبل، وبعد انتهاء هذه الفترة، الاحتفاظ بالكمية كلها.
“اكتساب خبرات”
وجاءت فكرة هذا المشروع من نعمان لاحمر، أستاذ علم الاقتصاد وتنظيم المشروعات في الجامعة المتوسطية للأعمال، والذي كان والده نحّالاً.
يقدم المشروع نصائح للنحّالين بشأن كيفية زيادة إنتاجهم من العسل
فقد بدأ الأمر باقتراحٍ طرحه لاحمر على طلابه، مُشيراً عليهم بأن يُقام هذا المشروع ويُدار كجزء من دراستهم.
وتقول شيماء بن رمضان الطالبة في الجامعة والتي تتولى في الوقت نفسه إدارة المشروع “لقد أحببنا الفكرة على الفور. مع ذلك، لم تكن لدينا أي خبرة متخصصة” في مجال تربية النحل.
ولحل مشكلة الخبرة هذه، مكّن لاحمر طلابه من التواصل مع رجل أعمال تونسي يُدعى خالد بوشوشة. وقد سبق وأن قدم لاحمر إرشاداته لبوشوشة خلال مشاركته في مسابقة للشركات الناشئة في عام 2013.
ويدير بوشوشة شركة متخصصة في مساعدة النحّالين على زيادة إنتاجهم من العسل.
وقد ابتكرت شركته “إريس تكنولوجي” خلية نحل مزودة بكاميرا لمراقبة تحركات النحل الموجود فيها. كما يُوضع في الخلية جهاز تعقب مرتبط بنظام تحديد المواقع عبر الأقمار الصناعية “جي بي إس”، وذلك في مسعى لردع عمليات السطو، وهي مشكلة آخذة في التفاقم في تونس حالياً.
إضافة إلى ذلك، تُزود الخلايا بجهاز لقياس درجة الحرارة ومستوى الرطوبة بداخلها، وذلك حتى يتسنى إرسال رسالة نصية إلى النحّالين إذا ما وقع أي خطأ، لتمكينهم من التصرف حياله في أسرع وقت ممكن.
ووافق بوشوشة على مساندة المشروع عبر توفير هذه الخلايا المتطورة لـ”النحّالين” بسعر التكلفة، وكذلك من خلال تقديم شركته الدعم الفني لهم في هذا الشأن.
وانضم إليه في هذا الشأن طبيب بيطري متخصص في النحل، يعكف على تدريب المشاركين في مشروع “توني بيي” على أفضل الأساليب المتبعة في تربية النحل.
ويقول هذا الرجل “غالبا ما يفتقر (النحّال) للخبرة، كما تنتقل الممارسات الخاطئة من جيل لآخر”.
ومن بين أمثلة الممارسات الخاطئة، التي يعمل هذا الطبيب البيطري على وقف اتباعها؛ تغذية النحل على السكر.
فرغم أن هذا الأسلوب يزيد إنتاج الخلية من العسل، فإنه ينتج عسلاً ماسخ الطعم، يفتقر للنكهات المتنوعة التي يكتسبها هذا السائل الحلو عادةً، إذا ما كان النحل الذي يفرزه مُضطراً لارتشاف رحيق الزهور المختلفة للتغذي عليها.
ضرورة اقتصادية
ويحظى مشروع “توني بيي” حالياً بـ 24 من الرعاة، بمن فيهم آباء وأمهات وأقارب الطلاب، الذين يساعدون في إدارته، إلى جانب بعضٍ من فريق العمل في الجامعة المتوسطية للأعمال.
يهدف المشروع أيضا إلى تحسين جودة عسل النحل المنتج في تونس
وفي الآونة الأخيرة، نُظمت رحلة بالحافلة من تونس العاصمة إلى قرية كسرى بولاية سليانة؛ بمشاركة بعض رعاة المشروع وطلاب في الجامعة، وذلك للالتقاء بالمشاركين الثلاثة الأوائل في “توني بيي”، وتفقد خلايا النحل الخاصة بهم.
ويقول محمد جويني (32 عاماً) إنه شعر بسعادة بالغة لاختياره المشاركة في مشروع “توني بيي”.
ويضيف الشاب، الذي يعمل فني كهرباء، أنه بحاجة لمواصلة العمل كـ”نحّال”، لأن ذلك يُدرّ عليه أموالاً إضافية. ويوضح قائلا “الوضع الاقتصادي الحالي في تونس يجعل من العسير على المرء أن يعيش على دخل عملٍ واحد فحسب”.
وغير بعيد عن جويني، توجد خلايا النحل الخاصة بعبد الفتاح السياري (38 عاماً)، وهو رسام خرائط بدأ تربية النحل كهواية قبل 10 سنوات، من منطلق الحرص على إحياء تقليد كان متبعاً في أسرته.
ويقول في هذا الصدد “عملت جدتي على تربية النحل بطريقة تقليدية – في (جذوع) الأشجار – ولكن لم يأخذ منها أحدٌ الراية حينما فارقت الحياة”.
أما المشارك الثالث؛ خيري خروبي، فقد كان يساعد والده في تربية النحل منذ أن كان في سن الثانية عشرة. وفي ظل سعيه في الوقت الحاضر لنيل درجة علمية في مجال إدارة الأعمال، يمثل بيع عسل النحل بالنسبة له مورداً مالياً حيوياً.
ومن بين الرعاة الذين ذهبوا إلى قرية كسرى لتفقد خلايا النحل؛ سلوى بطيخ (50 عاماً)، وهي مدرسة متقاعدة للغة الإنجليزية، تمت بصلة قرابة لأحد الطلاب الذين يساعدون في إدارة “توني بيي”.
وتقول بطيخ “أحب الفكرة، فهي أمر جديد، وآمل أن يُكلل بالنجاح، لأنه من العسير للغاية العثور على عسل من نوعية جيدة”.
ومثل كثير من التونسيين، عادة ما تشتري تلك المدرسة المتقاعدة العسل الذي تحتاج إليه مباشرة من “النحّالين” أملا في الحصول على عسل أكثر جودة بسعر أقل، مُقارنةً بما هو معروض في المحال التجارية.
وتضيف السيدة أنها تأمل في أن يشجع مشروع “توني بيي” المزيد من الأشخاص على الانخراط في مجال تربية النحل.
أملٌ من نوع آخر، تعبر عنه ليلى تريكي؛ نائب عميد الجامعة المتوسطية للأعمال، وهي كذلك من بين رعاة المشروع. فالسيدة ليلى تأمل في أن يسهم “توني بيي” في تخفيف حدة الفقر في الريف التونسي.
شارك رعاة المشروع في رحلة نُظمت مؤخراً لتفقد خلايا النحل
وثمة نية لتوسيع نطاق المشروع، بما يشمل توفير خدمات الرعاية المالية والتقنية لعدد من مربّيات النحل من النساء.
كما يتطلع القائمون عليه إلى إقناع بعض الشركات بالانضمام إلى قائمة الرعاة، في ظل إبداء شركتي النفط الكبيرتين “توتال” و”شِل” اهتماماً في هذا الشأن، وهو ما شاركتهما فيه كذلك شركة “مايكروسوفت” العملاقة في مجال البرمجيات.
كما يجري بحث إمكانية تصدير العسل المُنتج في إطار هذا المشروع إلى الخارج، بعدما وجد طلاب الجامعة المتوسطية للأعمال شركة أمريكية مهتمة باستيراد العسل التونسي.
“تأثير كبير”
وبحسب تقديرات وزارة الزراعة التونسية؛ يصل عدد “النحّالين” في البلاد إلى 12 ألفاً، يعتنون بقرابة 256 ألف خلية نحل. ويمتهن نحو 80 في المئة من هؤلاء هذه الحرفة كعمل إضافي، لجني دخل مادي، يُضاف إلى ذاك الذي يحصلون عليه من أعمالهم الأساسية.
وهناك من يأمل في أن تؤدي المهارات الخاصة بتربية النحل، التي يتم التدريب عليها في إطار مشروع “توني بيي”، إلى تمكين “النحّالين” في تونس من زيادة إنتاجهم من العسل.
ففي الوقت الحالي، لا تزيد كمية العسل التي تُنتج سنوياً من خلية النحل الواحدة في تونس – في المتوسط – عن أربعة كيلوغرامات، وهو ما يقل بكثير عن إنتاج نظيرتها في بريطانيا مثلا، والتي يبلغ إنتاجها السنوي 13.6 كيلوغراماً.
كما يقل بشكل أكبر عن مستوى الإنتاج في ألمانيا، حيث تنتج الخلية الواحدة ما يصل إلى 34 كيلوغراماً من العسل كل عام.
ويعتبر الخبير الاقتصادي مهدي بن برهام من جامعة قرطاج التونسية أن مشروع “توني بيي” مثير للاهتمام.
ويقول إنه “يمكن أن يكون لهذا النوع من المشروعات تأثيرٌ اجتماعي واقتصادي مهم في المناطق المحرومة، عبر منح الأمل (لسكانها)، وخلق فرص عمل دائمة، وتوفير موارد مالية كافية لتقليص حدة الفقر”.
بي بي سي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى