مسؤولية اجتماعية

مبادرة ‘‘ما هانت علينا غيبتك‘‘.. تساعد النساء‘‘الغارمات‘‘ في السجون

شارك هذا الموضوع:

هاشتاق عربي- تغريد الرشق
كان ما يزال في الصف الأول حينما قرر أن يأخذ “سلالا” من بيته، ليعلقها في المدرسة ويكتب عليها بعفوية “هذه مخصصة للسندويشات الزيادة!”. كان ذلك أول عمل خيري تطوعي للشاب الثلاثيني علاء البشيتي في بداية حياته الدراسية، وسط إعجاب المحيطين به.
هذا الموقف المفصلي في حياة علاء البشيتي جعل منه عنصرا فعالا في مجتمعه، يبحث عن كل ما هو جديد في عالم المبادرات والعمل التطوعي ليصار إلى ترشيحه واعتماده سفيراً وممثلاً لمنظمة السلام الدولية ليكون من أصغر سفرائها في العالم، لما قام به من أعمال تطوعية منذ ما يزيد على عشرين عاما، تكللت بتطبيق عدد منها في دول عربية نظراً لحداثة الأفكار وتطبيقها لأول مرة في عالمنا العربي.
مبادرة “ما هانت علينا غيبتك” لمساعدة النساء الغارمات في السجون الأردنية، كانت من أقوى المبادرات والأعمال الخيرية التي قام بها البشيتي في خطوة لتغيير النظرة والنهج في هذا المجال وتغيير نمط مجتمعي كامل.
هذه المبادرة “الفريدة” والتي طُبقت بحذافيرها في السعودية ومصر وقطر والإمارات، كما أطلقها البشيتي لمساعدة الغارمات، جاءت من خلال ملاحظات ومتابعات شخصية له خلال حياته اليومية، ونظراً لوجود حافز العمل التطوعي لديه، فقد جاءته فكرة دعم هؤلاء السيدات اللواتي وقعن فريسة الظروف الاجتماعية والاقتصادية الصعبة، ولم يكن لهن الداعم في تخليص أنفسهن من ديون “متواضعة” ليصبحن “مقعدات السجون” بعيداً عن أبنائهن وبيوتهن.
البشيتي الذي درس العلوم السياسية، لم يترك باباً في هذا المجال إلا وطرقه ليقوم بمأسسة مبادرته وتأطيرها بشكل قانوني ومؤسسي. وهنا لا ينكر الفضل الكبير لمدير الأمن العام اللواء عاطف السعودي، الذي لم يفصل الدور الإنساني عن الدور الأمني، وخاصة للسيدات اللواتي خلت قيودهن من أي ذنبٍ سوى أنهن حاولن أن يكن سيدات منتجات وتعرضت مشاريعهن للفشل، ووقعن فريسة الدين والسجن فيما بعد.
اللواء السعودي قدم التسهيلات والإجراءات القانونية والأمنية والمعلوماتية كافة للبشيتي والتعرف على عدد السيدات والمبالغ المترتبة عليهن، ليصار إلى سدادها فيما بعد، وهو ما حصل بالفعل، من خلال مساعدة 25 سيدة خرجن إلى عائلاتهن قبيل حلول عيد الفطر؛ إذ بين البشيتي أن فريقا حقوقيا ومحامين من الأمن العام قاموا بتنفيذ الإجراءات القانونية بما يضمن حقوق الأطراف كافة وكرامة هؤلاء السيدات اللواتي لم يكن لهن ذنب إلا غياب السند والعون لهن.
ويوضح البشيتي الحاصل على دروع عالمية وعربية عدة كان آخرها درع العمل التطوعي من جامعة أكسفورد البريطانية؛ أن نظريته تعتمد على ثلاثة مبادئ أساسية وهي أن العمل التطوعي يجب أن يعتمد على “النزع والزرع”، وتعني “نزع الظاهرة السلبية وزرع الإيجابي فيه”، عدا عن الحرص على الديمومة لها وكذلك الجزئية أو التخصص، بمعنى التركيز على نقطة معينة والعمل على تغييرها من الجذور بدون تشتت.
ويؤكد البشيتي أنه يتمنى ويعمل جاهداً أن يكون الأردن نموذجا يحتذى به في دول المحيط، وهو أمر ليس ببعيد عن مجتمعنا الذي يتميز بطبيعته “النخوية” ومساعدة الناس بأكثر من صورة، قد يكون بعضها “نمطيا” ومن هنا جاء تصميمه على أن يكون العمل الخيري التطوعي مختلفاً وله بصمة بعيدة المدى وتساعد في زرع طاقة إيجابية في الشخص متلقي الدعم والعون، ويكون في الوقت ذاته إنساناً ملتزماً بحبه وانتمائه لوطنه، ومن هنا تبدأ قصة الولاء والمحافظة على مقدرات الوطن، على حد تعبيره.
ومن خلال برنامج على إذاعة “أمن إف إم” خلال شهر رمضان، كان البشيتي متواجداً يومياً على الهواء يشرح الفكرة ويدعو الناس لمساعدة هؤلاء السيدات، بالإضافة إلى طرح قصة سيدة “غارمة” كل يوم، وكان ثمرة ذلك ورود الكثير من التبرعات من مختلف المناطق ومن خارج الأردن، بل وإن الدعم وصل إلى سيدات “عاملات منازل آسيويات” لم يكن معهن ما يكفي لدفع بعض التراكمات المالية، وتم مساعدتهن ودفع ما ترتب عليهن وعودتهن إلى بلادهن، ما يُعد إحدى الصور الخلاقة في مساعدة تمكين المرأة والوقوف بجانبها لتكون حاضنة سوية وقادرة على احتضان أسرة بأكملها حتى بغياب السند القريب لها، وهذا يجعل مساعدتها تقع على عاتق المجتمع كله وليس على أفراد.
هذه المبادرة الكبيرة بفكرتها ونتائجها، أتاحت للبشيتي الخروج بأفكار عديدة يسعى لتطبيقها خلال الفترة المقبلة، ولكن هذه الأفكار تحتاج إلى مأسسة وتنظيم، خاصة وأن البشيتي لديه فريق تطوعي يزيد على الأربعة عشر ألف متطوع من عمر الطفولة ولغاية الستينيات، وأطلق على هذه المؤسسة اسم “نشمي”، وسيتم حفل الإطلاق خلال الأسبوع المقبل.
وكان البشيتي أطلق حفل تشهير “ما هان علينا غيبتك” بحضور ومباركة ممثلين عن كل من الدين الإسلامي والمسيحي لإظهار قيمة المرأة وأهمية مساعدتها، كون مساعدة الغارمين تعد من مصارف الزكاة في ديننا الحنيف، وكذلك بحضور ودعم الجهات الأمنية لهذه الخطوة، والتي تُظهر مدى عمق وتجذر حب الخير والعمل الخيري في الأردن، ليكون في مصاف الدول التي تقدم العون للآخرين من أبناء الشعب الأردني، أو مساعدة الآخرين من جنسيات أخرى.
ويشيد البشيتي الذي دخل موسوعة غينيس في أطول وثيقة موقعة من مليون شخص لإلغاء ظاهرة إطلاق النار في المناسبات، بدور المؤسسات الرسمية في الأردن في مساعدة وتسهيل الإجراءات لأي عمل تطوعي نوعي يكون قادرا على تغيير الصور السلبية في المجتمع، واستبدالها بالخير والإيجابية والعطاء، مشيراً إلى أن التطوع يجب أن يأخذ مساراً بعيداً عن النمطية وإيجاد أوجه مساعدة جديدة خلاقة.
ويقول البشيتي “وجدت تصريفاً لكلمة التطوع منبثقة من أحرف الكلمة، وهي؛ ت: تخصص في اختيار الجانب الذي يرغب الشخص بالتطوع فيه، ط: طلب الأجر المادي الملموس لا يجب أن يكون واردا لدى المتطوع، فهو عمل خيري بدون مقابل، و: وزع عملك وقسمه بدون تراكمات وتشتت، ع: عملك الجماعي المنظم هو السبيل لإنجاح أي عمل تطوعي.
ومن خلال مؤسسة “نشمي” للعمل التطوعي الشبابي، يؤكد البشيتي أنها ستكون مظلة تدعم الشباب الأردني المتطوع ضمن إطار “النزع والزرع والديمومة والتميز”، بحيث تقوم المؤسسة بقبول أي فكرة تطوعية ودراستها ومشاركتها وتفعيلها بما يخدم وينفع المجتمع الأردني ويعزز روح الانتماء للوطن.
الغد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى