مقالات

الغزو لن ينتظر!

شارك هذا الموضوع:

هاشتاق عربي

* جمانة غنيمات

لطالما نظّرنا، حتى عايشنا فعلاً اليوم تحول العالم إلى قرية كبيرة؛ إذ تلاشت الحدود، بحيث لم يعد هناك من عائق يمنع انتقال المعرفة. فيما يواصل التطور المتسارع اختراق كل التحصينات، لتكون التكنولوجيا في خدمة الناس وتسهيل حياتهم.
وحقيقة أن كون العالم حالياً قريةً كبيرة بسهولة التواصل، تحمل في الوقت ذاته وجها آخر، يتمثل في اختلاف ماهية التحديات التي تتزايد بارتقاء العلم والمعرفة واشتداد التنافسية، كما اتساع حجم الفرص.
هذا الأمر ينطبق على كل شيء. فلا يوجد قطاع بمقدوره أن يستثني نفسه من نظرية المنافسة محلياً وإقليميا وعالمياً. وهكذا، نجد بعض قطاع النقل العام لدينا يغرق الآن في الفكرة، مع اختراقه من قبل خدمات نقل جاءت من آخر بقاع الدنيا، بمستوى جيد مريح، يقينا من معاناة لا تتوقف مع قطاع نقل عام وطني مترد بصورته الكلية.
فالأردن؛ البلد الصغير، انفتحت أبوابه لشركات كبرى تخدم الناس، توفر لهم خدمة مريحة ونظيفة، لاسيما شركة “أوبر” العالمية التي باتت تساوي قيمتها السوقية نحو 40 مليار دولار. ومثلها ما تقدمه خدمة “كريم” المحلية.
الفكرة بسيطة وسهلة ومنظمة، كان دخولها السوق المحلية سهلا في ظل انتشار الإنترنت. إذ نحن نتحدث عن مجرد تطبيق على الهاتف، يضمن تقديم وسيلة نقل معروفة لائقة، مع توفير معلومات عن المركبة والسائق، بما يضيف إلى التنظيم، عنصر الأمان.
“أوبر” التي ليس لها موقع أو مكتب في الأردن، طوّرت خدمتها لترتقي إلى رغبات الناس. فمركباتها تلتزم بالوقت والتعرفة، وهو ما نفتقده للأسف الشديد لدى مثيلها التقليدي المحلي. ذلك أن سيارات التاكسي لدينا، كما هو معروف، لا تلتزم بمواعيد، وليس لها مواقف محددة، بل تجوب الشوارع بحثا عن زبون، وهو ما لم يعد يحدث في العالم المتقدم. يضاف إلى كل ذلك مزاجية في تقديم الخدمة، المتدنية المستوى غالباً.
لم يعد مجدياً الشكوى للحكومة من تدهور خدمة قطاع النقل العام، ومناشدتها تطويرها، كون الاستجابة على مدى السنوات الطويلة الماضية كانت شبه معدومة، فغدا التحسن محض حلم مع تزايد أعداد الناس، يقترب الأمل في تحقيقه من درجة المستحيل!
ونتيجة اليأس من النقل العام، صار المستهلك المحلي، والضيف كذلك، يبحثان عن بديل يلبي احتياجاتهما. وقد جاءت الاستجابة من بوابة عالمية، بدأ كثيرون يعتمدون عليها للتنقل، لاسيما داخل العاصمة.
الحكومة لم يعجبها الوضع، فانقلبت على نظرية “العالم-القرية”، مقررة إغلاق الأبواب، ومعلنة عدم قانونية عمل هكذا شركات في المملكة. وقدمت نظاما لتنظيم أعمالها. وطبعاً، الهدف نبيل نظريا، إذ هو حماية سائقي السيارات العمومية لدينا. لكن الحكومة لم تسعَ، في المقابل، إلى وضع حل حقيقي بدلا من عرفية القرار، عندما اكتفت باعتبار عمل هذا النوع من الشركات غير قانوني، فلا بد أن يتوقف، أو أن تنظمه بأقل تقدير.
وإذا كانت الحكومة والجهات المعنية تستشعر الخطر، فلماذا لم تعلن وزارة النقل حالة الطوارئ لمجابهة التحدي؛ ليس بوقف الخدمة الوافدة من الخارج، بل بتحسين مستوى مقدّميها محليا، من سيارات التاكسي التقليدية؟ فتطوير أداء النقل العام الوطني هو وحده ما يمكّن من مجابهة التحدي الخارجي ومحاصرة تأثيره على القطاع، إن كانت الحكومة حريصة عليه.
اليوم التكنولوجيا تسخّر نفسها لتقديم خدمات للمستهلك. وغزوها -بشديد صراحة- لن ينتظر موافقة الحكومات. وكما يواجه أصحاب التاكسي هذا التحدي، فإن قطاعات أخرى كثيرة تنتظر تحديا مشابها. إذ ثمة خدمات اليوم على مستوى العالم تستثمر في تطبيقات الإيجار والبيع. فهل سنغلقها مثلا حتى لا تتضرر مكاتب وشركات العقار مستقبلا، وغيرها الكثير؟!
التعامل مع التطور العالمي يعني ضرورة تطوير أدواتنا حتى ننافس. وإن لم نفعل، فربما يكون على الحكومة قطع خدمة الإنترنت محلياً، بما يفصل الأردن عن القرية الكبيرة، ويبقيه جزيرة معزولة.
مرة أخرى، وبشكل واضح، الحل ليس بمنع “أوبر” أو “كريم” واعتبارهما غير قانونيتين. بل هو في تحسين أدواتنا لتكون جاهزة للمنافسة في عالم جديد يفرض شروطه علينا.

* رئيسة تحرير صحيفة الغد الاردنية

_

يمتلك مبيضين خبرة تقارب الـ 10 اعوام في مجال العمل الصحافي، ويعمل حاليا، سكرتير تحرير ميداني في صحيفة الغد اليومية، وصحافيا متخصصا في تغطية أخبار قطاع الإتصالات وتكنولوجيا المعلومات، الملكية الفكرية، الريادة، والمسؤولية الإجتماعية. ويحمل مبيضين شهادة البكالوريوس من جامعة مؤتة – تخصّص ” إدارة الأعمال”، كما يعمل في تقديم إستشارات إعلامية حول أحداث وأخبار قطاع الإتصالات وتكنولوجيا المعلومات الأردني. Tel: +962 79 6542307

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى