ريادة

روان بركات تتحدى الظلمة مع مؤسسة “رنين” وتغير حياة الأطفال

شارك هذا الموضوع:

هاشتاق عربي- باميلا كسرواني*
“أريد أن تشددي على أننا نعمل مع ومن أجل كل الأطفال. عملنا حتى الآن مع 20 ألف طفل، 300 منهم فقط من ذوي الإعاقة. يظنّ كثيرون أنه كوني كفيفة، أنشأت مؤسسة تقدّم خدماتها لذوي الإعاقة فقط. لكن هناك الكثير من المؤسسات التي تركّز على ذلك. أما إنجازنا الحقيقي فهو أنني، كشخص ذي إعاقة، أريد أن أخدم كل مجتمعي وكل فئاته”، بهذه العبارة قد تكون روان بركات، مؤسِسة “رنين” في الأردن، قد اختصرت جمهورها المستهدف.
ضربنا موعداً على “سكايب” للحديث عن مبادرتها “رنين”، التي تحوّلت من إنتاج الكتب الصوتية إلى عدد كبير من النشاطات. لم يكن ضرورياً أن نرى روان وتحركاتها وتصرفاتها، فنبرة صوتها المتحمسة والواثقة من نفسها عكست مدى إصرارها وتصميمها، وهي التي ولدت كفيفة ولم تدع إعاقتها كما “تسمّيها” تقف حاجزاً أمام أحلامها.
فقبل أن تغوص في محادثتنا، أصرّت روان على أن لا أتردد في استعمال مصطلح ذوي الإعاقة بدلاً من “ذوي الاحتياجات الخاصة”، شارحة أن “الأمم المتحدة والكثير من الحقوقيين يعملون على فكرة “ذوي الإعاقة” من أجل تمييزهم عن الأشخاص الآخرين. فأنت إذا كنت متفوّقة، فأنت من ذوي الحاجات الخاصة”. وتتابع أنه في النهاية جميعنا متساوون “أنت وأنا نستخدم الموبايل، نستخدم التكنولوجيا ذاتها أي أننا متساويتان”.
روان البالغة من العمر 30 عاماً، حائزة على درجة البكالوريوس في الفنون المسرحية من الجامعة الأردنية، وطالما انخرطت في الأعمال التطوعية. وتخبرنا: “بدأت وأنا في الحادية عشرة من العمر. فهي زادت معرفتي في مجال حقوق الإنسان والطفل، وبنت مهاراتي في التعامل مع أقراني، لاسيما مع الذين ليسوا من ذوي الاحتياجات الخاصة، لأن هذه النشاطات كانت مختلطة”.
وتتابع: “سنحت لي فرصة السفر في عمر صغير لتمثيل بلدي، مما ساهم في بناء شخصيتي. وأنا في عمر13 سنة، انضممت للمركز الوطني للثقافة والفنون، والذي من خلاله تعرفت على فكرة المسرح الذي تحوّل إلى حلم حياتي وأثّر على دراستي ومؤسستي التي أردت من خلالها أن يصل المسرح إلى الأطفال، لاسيما المهمشون منهم في المناطق النائية”.
“رنين”: فضاء للإبداع وكسر الصور النمطية
تحملنا روان في رحلة إلى الوراء، وتحديداً إلى العام 2005، حين طُلب من مجموعة شبان من جامعات مختلفة تقديم مشروع تطوعي لخدمة المجتمع. وهنا تقول: “أحدهم أراد دهن بعض الجدران، وآخر أراد تمضية يوم مع جمعية ما. إلا أنني اقترحت إنشاء مكتبة صوتية من دون أن أدرك كل تبعاتها!”.
لماذا؟ “أردت مكتبة صوتية للأطفال، لأنني وأنا صغيرة عانيت من نقص الكتب الصوتية. وأردت التركيز عليها لا على تلك المكتوبة بطريقة “بريل” للمكفوفين، لأنني أردت أن يستفيد منها كل الأطفال. كما أنني أدرس الفنون المسرحية، وبالتالي يمكنني توظيف ما أعرفه في التسجيلات الصوتية”.
هكذا تطورت “رنين” من قصص مسموعة إلى أكثر من ذلك؛ نشاطات وورش عمل ومسرح تفاعلي. وتقول روان: “روحنا في المؤسسة، أو محرك أعمالنا الرئيس هو القصص المسموعة. لكن النشاطات والبرامج التي نقدمها حول القصة المسموعة باتت أكبر، وهمّنا إنتاجها بشكل أفضل لتصل لكل الأولاد”.
فكرة رائعة انطلقت من دون أي ميزانية، مع مجموعة من المتطوعين الذين سجّلوا بداية 13 قصة فقط “لأننا لم نتمكن من شراء حقوق النشر، ولم نتمكن من تأليف الموسيقى، فاستعملنا موسيقى عالمية”، حتى العام 2009 حين انقلبت الأمور رأساً على عقب مع الفوز بجائزة الملك عبدالله الثاني للإنجاز والإبداع الشبابي؛ إذ تحولت فكرة “رنين” من مبادرة إلى مؤسسة غير ربحية تحصل على التمويل من خلال أساليب متعددة.
وتشرح لنا روان: “الجوائز التي حصلنا عليها وعددها ست، أربع منها مالية، هي إحدى وسائل التمويل، إضافة إلى الشراكات مع القطاع الخاص الذي يتبنّى بعض المدارس مباشرة، لأننا لا نقبل الهبات، من أجل أن نطبّق برامجنا ونزرع المكتبات الصوتية فيها. كما أننا نأخذ منحا من مؤسسات دولية، ونبيع البرامج لمدارس خاصة ولمؤسسات اجتماعية تهتم بالطفولة؛ ونأمل أن يتحوّل النموذج الأخير إلى مصدر تمويلنا الأساسي لنعتمد على أنفسنا بالكامل”.
بالعودة إلى المكتبة الصوتية، تشرح لنا روان: “نحن نعمل على نواة لمكتبات صوتية في المدارس، لأن المكتبة يجب أن تضم الكثير من الكتب. حتى الآن، أنتجنا 35 قصة، وهذا عمل يحتاج إلى الكثير من الوقت. علينا أن نقرأ 15 إلى 20 قصة، وأحياناً أكثر، لنختار قصة مناسبة لأن تتحول إلى قصة مسموعة، فليست جميعها قابلة للتحويل، وأن تكون مناسبة لمعاييرنا من حيث القيمة الإيجابية واحترام عقل الطفل. أما قراءة القصة، فيؤديها ممثلون محترفون لديهم اسم في عالم الدبلاج ولديهم تجربة مع الأطفال”. قد تضم القصة صوتاً واحداً، أو أحياناً 10 أصوات؛ وهذا الأمر يتوقف على نوعية القصة والأحداث والشخصيات. وتضيف روان أنه “يتم اللجوء إلى موسيقيين من أجل تأليف موسيقى خاصة بكل قصة”، مشددة على ضرورة “التركيز على التصميم الصوتي الواضح، لأن الموسيقى والمؤثرات الصوتية تلعب دوراً مهماً، بدل التأثيرات البصرية، لتحفيز مخيلة الطفل”. وقد نجحت “رنين” في حل مشكلة حقوق النشر من خلال شرائها مباشرة من الكاتب أو التعاون مع دور النشر.
حتى الآن، زرعت “رنين” 200 مكتبة صوتية في مختلف مناطق الأردن؛ من قرى ومحافظات ومخيمات للاجئين الفلسطينيين. وبفضل النشاطات مع معلمين، يقدمون خدماتهم للطلبة السوريين أيضاً. وتوضح روان: “نزوّد المدرسة بمجموعة من الأقراص المدمجة، وأيضاً بمشغل لهذه الأقراص، لأن غالبيتها غير مجهزة كونها في مناطق نائية وأقل حظاً”.
وإضافة إلى المكتبة الصوتية والمسرح التفاعلي لتنمية خيال الأطفال، تركز “رنين” اليوم على الورش التدريبية للمعلمين. وتعقب روان: “نصمم برامجنا من الألف إلى الياء. وورشنا التعبيرية بدأت مع الأطفال، إلا أننا طوّرناها وبدأنا العمل مع المعلمين والمرشدين النفسيين”.
وتهدف هذه الورش إلى تحفيز المعلمين وحثهم على قلب الصورة النمطية لأنظمتنا التعليمية التقليدية والتلقينية، لتتحوّل إلى أنظمة أكثر تفاعلية؛ تعتمد على تنمية مهارات أجيال قادرة على إيجاد فرص عمل أكبر.
طموحات “رنين” لا تعرف حدوداً، إذ تؤكد روان أن مشاريعها المستقبلية مرتبطة بشكل وطيد بشركتها، ألا وهي تطوير وزيادة المحتوى الموجود، أكان على صعيد المحتوى التدريبي أو القصصي. وتضيف: “نريد أن ندخل الوطن العربي ونفتح فروعاً لنا فيه، وأن تتبنى مؤسسات عربية في مختلف الدول برامجنا لنصل إلى أكبر عدد من الأطفال”.
ولعلّ الحلم الأكبر هو المساهمة في تغيير المنظومة التعليمية التقليدية، لاسيما أن الجوائز العديدة التي نالتها “رنين” هي خير دليل على الاعتراف بالجهد الكبير التي تبذله، وهي محفز ودافع لمتابعة المسيرة من دون أن ننسى ردود فعل أهالي الأولاد الذين عمل كثيرون منهم على الانخراط في أنشطة “رنين”.
“أن تكوني من ذوي الإعاقة”
كما ذكرنا، أصرّت روان على التشديد على أن “رنين” لكل الأطفال، ونجاح مسيرتها يشدد على أن ذوي الإعاقة لا يختلفون إلا بإعاقتهم، لكنهم قادرون على تحقيق الكثير وإحداث التغيير في مجتمعاتنا.
وتخبرنا روان أن دعم عائلتها اضطلع بدور كبير في عزيمتها. فتقول: “أختي الكبيرة شريكة معي في المؤسسة وكل البيت يدعمني طوال الوقت. أهلي حاولوا جاهدين أن يجدوا كل السبل لأتعلم وأعيش حياة كأي طفل آخر. ساعدوني على بناء شخصيتي والاعتماد على ذاتي، وأعطوني مساحة من الحرية والاختيار”.
إلا أن روان مدركة أن الجميع ليس محظوظاً، وأن تكوني من ذوي الاعاقة في العالم العربي يحتّم تحديات كثيرة، بدءاً من نظرة المجتمع السلبية وحتى التمييز الإيجابي المزعج “لاسيما عندما تدخلين إلى مكان ما ولا يقومون بتفتيشك لأنك من ذوي الإعاقة”، على حد قولها.
وتشدد أن معظم التحديات نابعة من جهل المجتمع وقلة الوعي. مشيرة إلى أن تعليم وتثقيف الأطفال منذ الصغر أمر ضروري. وتشرح: “إذا تعوّد الطفل أن يرى في كتابه طفلاً على كرسي متحرك، أو يتم دمج أي إعاقة في ألعاب الفيديو والرسوم المتحركة، يصبح الأمر طبيعيا، لاسيما أن الطفل لا ينظر إلى الإعاقة على أنها اختلاف”.
وحتى لو أن القوانين في المنطقة العربية قد تطورت، إلا أن معظمها ما يزال حبراً على ورق. وضربت روان مثالاً بالأردن حيث هناك قانون يفرض نسبة توظيف لذوي الإعاقة في القطاع الخاص، إلا أنه لم يطبّق بالشكل المناسب. وقارنت مع الدول الأوروبية حيث يعملون على أن يمارس ذو الإعاقة حياته بكل سهولة، في حين أنه في العالم العربي “ما يزالون ينظرون إلينا ويقولون سلامتها والله يشفيها”. متابعة: “التكنولوجيا تجعل الصورة على الـ”آيفون” تنطق وتخبرني كم شخصا فيها وماذا يفعلون.. تخيلي كم يهتم الغرب بالتفاصيل ونحن هنا ما يزالون يتساءلون إذا كان يحق لنا العيش وكيف”.
وبينما تخشى روان أن لا تكون على قدر المسؤولية وألا تتمكن من الاستدامة والاستمرارية، تطلق صرخة للحكومات ووسائل الإعلام والمسؤولين للعمل على تغيير المنظومة التعليمية، والنظر إلى ذوي الإعاقة على أنهم بشر، أولاً وأخيراً.
* متخصصة في الثقافة والمواضيع الاجتماعية
(الغد)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى