مقالات

أزمة 2008 ليست مثلما كنا نظن

شارك هذا الموضوع:

هاشتاق عربي
ديك فولد، الرئيس التنفيذي السابق لـ “ليمان براذرز”، الذي انهار المصرف على يديه، ينفي في إحدى المناسبات أن يكون له دور في انهيار المصرف، أو في ما حل بالنظام المالي عام 2008. «الفرنسية/جيتي»
مرت ثمانية أعوام منذ إفلاس ليمان براذرز، ومع ذلك لا تزال هذه المناسبة تحدد التقويم. بالنسبة لأي شخص في العالم المالي، ينقسم الوقت إلى ما قبل ليمان وما بعد ليمان.

لكن حتى بعد ثماني سنوات، دروس الأزمة لا تزال مثيرة للجدل. الغضب لا يزال حادا كما كان دائما. وعندما يتعلق الأمر بحماية النظام المالي وجعله منيعا أمام ليمان آخر، يبدو أن كل يوم يجلب مزيدا من الإثبات أننا لا نعرف ما كنا نظن أننا نعرفه. الأسبوع الماضي قالت إليزابيث وارن، عضو مجلس الشيوخ الأمريكي، إن على الرئيس المقبل أن يفتح تحقيقات مع كبار المصرفيين الذين تجنبوا الملاحقة القضائية، وعلى مكتب التحقيقات الفيدرالي إصدار مذكرات حول تحقيقاته. الفشل في معاقبة أي من كبار المصرفيين بشأن الفضيحة يغضب اليسار واليمين الشعبوي، في جميع أنحاء العالم.

لكن في حين أن معظم الناس يشعرون بالاشمئزاز من أن المصرفيين نجوا من العقاب، يشعر المصرفيون أنفسهم – أو على الأقل المساهمون في المصارف – بأنهم عوقبوا.

وفقا لمؤشر MSCI، أداء المصارف على مستوى العالم خلال السنوات العشر الماضية كان أدنى من أداء بقية السوق بنحو 50 في المائة. وبقيت أرباحها دون تغيير لسنوات، وتظل دون مستواها الذي كانت عليه قبل الأزمة، بينما تراجعت الإيرادات من التداول، وقاعات التداول التي كانت تعج بالحركة هي الآن مهجورة تقريبا. الإصلاحات المالية بعد الأزمة، التي أكرهت المصارف الكبيرة على الاحتفاظ بكميات من رأس المال أكثر بكثير من السابق، بهدف الوقاية من الصدمات ولمنعها من المخاطرة برأس مال المودعين من خلال التداول لحسابها الخاص، اقترنت مع انخفاض أسعار الفائدة – التي تجعل من الصعب تحقيق ربح – لجعل المصرفية مملة وأقل ربحا، وإن كانت أقل خطورة.

مثل هذه النتيجة بدت لا مفر منها في عام 2008. لكن كثيرين يعتقدون أن جهود إعادة التنظيم في فترة ما بعد الأزمة ليست كافية. في حملة الانتخابات الرئاسية الأمريكية المثيرة للفرقة، هناك التزام واحد يظهر في منصات الطرفين وهو إعادة “جلاس ـ ستيجل”، القانون الصادر في حقبة الكساد العظيم، الذي يمنع المصارف التجارية من الدخول في أعمال المصرفية الاستثمارية أو التأمين. ألغي “جلاس ـ ستيجل” في عام 1999 بدعم من الحزبين. فقد كان يبدو أنه عفا عليه الزمن وغير ضروري. ولم تقدم أي من المؤسسات التي انهارت في الأزمة، بما في ذلك بنك ليمان، على خلط الخدمات المصرفية التجارية والاستثمارية. لكن الاعتقاد بأننا في حاجة إلى بذل مزيد من الجهد لا يزال على أشده.

المصارف التي نجت من أحداث عام 2008 في أحسن حال تم تصويرها على أنها قدوة، ثم هدمت. بعد أمثال جولدمان ساكس، وجيه بي مورجان وHSBC، حان دور ويلز فارجو، الذي أصبح أكبر مصرف في العالم من حيث القيمة السوقية في فترة ما بعد الأزمة، بفضل التركيز على الخدمات المصرفية التجارية وثقافة شرسة مدفوعة بعمليات البيع. على مدى 20 عاما، ظل ويلز وأسلافه يشيرون إلى “المتاجر” لا “الفروع”. كان ذلك أنموذج عمل بسيط وفعال، إلى أن تبين أن ثقافة المبيعات الساخنة كانت تشجع على الغش والتدليس على نطاق واسع. والآن ويلز طرد موظفيه، وتراجعت أسهمه ولم يعد المصرف الأكثر قيمة في العالم.

هناك اعتقاد آخر، قد لا يكون صحيحا، هو أن البنوك المركزية أصبحت أقوى من الحد اللازم. فمن خلال ضخ الأموال وتوسيع ميزانياتها العمومية، أصبحت تعتبر لاعبا اقتصاديا أكثر أهمية من أي وقت مضى.

لكن إصلاحات ما بعد الأزمة ربما تكون قد سلبت من الاحتياطي الفيدرالي على وجه التحديد الصلاحيات التي يحتاج إليها لتجنب ليمان المقبل. السبب في ذلك، وفقا لكتاب جديد ورائع بعنوان “الترابط والعدوى”، بقلم هال سكوت من كلية الحقوق في جامعة هارفارد، هو حقيقة نهائية كنا نظن أننا نعرفها – وهي أن أزمة 2008 ليست مثلما كنا نظن. بشكل صحيح، يقول سكوت إن التفسير الشعبي للأزمة كان “الترابط” – تأثير الدومينو عندما يقود فشل مؤسسة ما إلى فشل المؤسسات الأخرى التي أقرضتها أو اعتمدت عليها للحصول على تمويل. المحاولات لجعل المصارف تقتني المزيد من رأس المال وتنغمس في عدد أقل من المخاطر، وتنظيم المصارف التي تعتبر “مهمة لسلامة النظام المالي”، هذه المحاولات تدور حول مهاجمة الترابط.

لكن سكوت يقول إن أيا من المصارف التي انهارت أو تم إنقاذها لم يكن مهما بما فيه الكفاية لمؤسسة كبيرة أخرى على نحو يتسبب في فشلها. بدلا من ذلك، كاد ليمان أن يطيح بالنظام المالي من خلال “العدوى”، أو الخوف من الترابط. وأدى ذلك إلى أن أسواق التمويل قصير الأجل التي كانت المصارف تعتمد عليها للحصول على التمويل، التي كانت تستخدم لدفع الرواتب في الشركات، أصيبت بالجفاف في الوقت الذي تبخرت فيه الثقة. سبب العدوى هو العوامل النفسية الأساسية عند الناس.

ونتيجة للغضب من عمليات الإنقاذ التي تلقتها المصارف، فقد الاحتياطي الفيدرالي منذ ذلك الحين الصلاحيات الرئيسية في التعامل مع العدوى التي تركز على دوره بوصفه “مقرض الملاذ الأخير”، بحيث يدعم الأسواق في الوقت الذي تصاب فيه بالجفاف، وينقذ المؤسسات التي كانت حالتها المحفوفة بالمخاطر تخيف السوق. حريتها في التصرف بهذه الطريقة تم مرة أخرى تقييدها إلى حد كبير.

ويعتقد كثيرون أن عمليات الإنقاذ في عام 2008 كانت إهدارا لأموال دافعي الضرائب. لكن عندما تراجعت مشاعر الهلع، تم تسديدها عموما. بالتالي إذا كان سكوت على حق في أننا يجب أن نخاف من خوفنا أكثر من أي شيء آخر، فإن إعادة التنظيم عملت فقط على تقليص أية دينامية في القطاع المالي، وفي الوقت نفسه جعلته عرضة للعدوى أكثر من قبل.

الأحداث التي وقعت قبل ثماني سنوات كانت صدمة عميقة. ولم يكن من الممكن أن نتجنب الوقوع في رد فعل ناتج عن الإحساس بالصعقة. لكننا لا نزال نشعر بأننا مصعوقون، ونتلمس الحقيقة.
جون أوثرز من لندن- الاقتصادية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى