خاصمقالات

المصوّر الكفيف …..!!

شارك هذا الموضوع:

هاشتاق عربي – إبراهيم المبيضين

لا أجد وصفا لما شاهدت من منافسات بين رياضيين في دورة الالعاب البارالمبية – التي اختتمت قبل أيام في ” ريو” البرازيلية – أفضل من أنّها ” منجم ” يفيض بقصص الإلهام والأمل والتفاؤل، ففي حلباتها وملاعبها تنافس رياضيون تحدوا الإعاقة ، وتغلبوا على سنوات من الالم والتعب، ونجحوا بالإصرار والعزيمة في تسجيل الإنجازات لأنفسهم ولبلدانهم.

ويعطي الرياضيون ذوو الإعاقة – بانجازاتهم وإصرارهم على التنافس والنجاح – دليلا لكل الناس، يعطون درسا للاشخاص من ذوي الاعاقات او من يمتلكون اجسادا سليمة معافاة بان لا مستحيل مع الايمان بالموهبة والاصرار والسعي لاثبات الذات، وهم يشكلون نموذجا حيا للحياة والتفاؤل وامكانية الوصول الى النجاح حتى مع المعاناة والاعاقة، يقولون لنا بان الاعاقة الحقيقة هي في ضعف الارادة والتصميم وليست في فقدان جزء أوأجزاء من أجسادنا.

قصتي اليوم ليست لرياضي خاض غمار المنافسات في دورة الالعاب البارالمبية التي نظمت مؤخرا في ” ريو” البرازيلية،….القصة جاءت من محيط هذه البطولة، وتحديدا من المناطق المخصّصة للمصورين الذين نقلوا للعالم صور منافسات البطولة.

قصتي اليوم لبطل من نوع مختلف،…… فهل تخيلت يوما ان تجتمع كلمتا مصوّر و أعمى في عبارة واحدة او في شخص واحد ؟، نعم هو مصور – فاقد لنعمة البصر- تواجد لتغطية دورة الالعاب البارالمبية في “ريو” وخصوصا منافسات العاب القوى، وابهر العالم والمتابعين بصوره المعبرة التي لم يكتب له القدر ان يستمتع برؤيتها كما إستمتع بها الناس.

القصة للمصوّر البرزيلي الكفيف ” جواو مايا ” – ابن الـ 43 عاما – الذي دخل عالم التصوير وتواجد بقوة في الاماكن المخصصة للمصورين في دورة ” ريو”….

ولعلّ اول ما يخطر ببال اي قارىء أو متابع لقصته هو السؤال : كيف له ان يفعل ذلك، وقد حرم من الاداة الاساسية التي يعتمد عليها المصور لنقل اللحظات والاحداث والانفعالات، وهي نعمة البصر؟

لقد حرم ” جواو” من البصر نتيجة مرض تعرض له قبل 13 عاما، و ‬تسبب في التهابات حادة داخل عينه ، فكانت نتيجته عدم القدرة علي الرؤية بشكل طبيعي، وهو بعد مرضه هذا لم يعد الا بعض الالوان واشياء بسيطة من زوايا معينة، ولكنه بالمجمل غير قادر على الرؤية بشكل طبيعي، ….. ورغم ذلك صمّم منذ سنوات على التحدي واقتحام عالم التصوير ليفرح الناس بصوره التي يلتقطها اعتمادا على ” احساسه وقلبه” كما صرّح مؤخرا لوكالات اعلام عالمية.

ويعتمد ” جواو” على هذا الاحساس في المكان الذي يتواجد به ضمن مسافة قريبة جداً من الرياضيين، وعندما يشعر أنهم يقتربون يقوم بالتقاط الصور.

ويعلّق المصور الكفيف على طريقة التقاطه للصور بتصريحات قال فيها :” ان التصوير له علاقة بالإحساس، يكون دائماً من الرائع أن يعرف العالم كيف أنظر للأمور وكيف أراها، وكيف أشعر بها، من خلال الصور التي أقدمها”.

وكأنه يريد القول : ” أستعين بإحساسي وقلبي عن العينين”، يعزّز ذلك الاصرار وحب التحدي الذي تحلّى به من سنوات لمواجهة الإعاقة اي كان نوعها.

“جواو” يؤكّد ذلك بحديثه المفعم بالأمل والتحدي والاصرار عندما صرّح لوكالات اعلامية: ” بالنسبة لي لست بحاجة إلي العينين لكي أقوم بالتصوير،‮ ‬أقوم بتلك المهمة من خلال قلبي وإحساسي،‮ ‬أعبر عن قدرتي علي رؤيتي للعالم بطريقتي،‮ ‬وهذا أمر رائع بالنسبة لي”.

ويضيف ” جواو” في تصريحاته : ” أقوم بالتقاط الصور بشعور بنبضات القلب الخاصة بالرياضيين،‮ ‬بمجرد بسماع ضربات القلب للعدائين في المضمار،‮ ‬ألتقط الصورة فورا،‮ ‬هذه طريقتي للتصوير‮”.

‬ووفقا لما نقلته وسائل اعلام متنوعة فـ ” جواو” يعتمد على الأخرين في تقديم صوره للعالم، وعن هذا يقول: “هناك أشخاص أنا بدونهم لا شيء، هم يساعدوني في تعديل الصور، وتحميلها على مواقع التواصل الاجتماعي لعرضها للعالم”.

ويمتلك المصور الأعمي صفحة رسمية علي موقع التواصل الاجتماعي‮ “‬انستجرام‮”‬،‮ ‬حيث يتابعه‮ ‬6501‮ ‬شخصا حول العالم،‮ ‬وهو يقوم بمتابعة‮ ‬7489‮ ‬شخصا،‮ ‬وقام بنشر‮ ‬148‮ ‬صورة لمختلف الألعاب الرياضية‮.

“جواو” بقصته يبعث الامل، ويبث التفاؤل والايجابية في هذه الحياة التي يتزاحم فيها التشاؤم واليأس نتيجة لما يواجه الناس من احداث اليمة صعبة في حياتهم الاجتماعية او العملية، وهو يؤكد لنا ان ” لا مستحيل مهما بلغت كمية ونوعية المعاناة في الحياة”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى