مقالات

نظرة عامة على الموازنة

شارك هذا الموضوع:

هاشتاق عربي- محمد عاكف الزعبي – لم تحمل موازنة العام 2017 أية مفاجآت تذكر، فقد جاءت منسجمة تماما مع توصيات صندوق النقد الدولي الواردة في برنامج الإصلاح المالي والهيكلي، والتشوهات الهيكلية التاريخية لا تزال كما هي.
من ضمن الاشياء التي استوقفتني ايضا هو استحداث بند جديد في جانب الايرادات تحت مسمى ضرائب اخرى بقيمة 450 مليون دينار مرفق بملاحظة تقول: “يمثل المبلغ حصيلة اجراءات ضريبية وجمركية إصلاحية سيتم اتخاذها وفقا لبرنامج الأصلاح المالي والهيكلي” من دون تقديم اية ايضاحات اخرى.
فكيف ستحصل الدولة هذا المبلغ؟ هل سيكون ذلك عن طريق رفع ضريبة المبيعات؟ ام سيكون ذلك عبر ضريبة الدخل؟ واذا كان عبر ضريبة الدخل، فمن سوف يتحمل الزيادة؟ الافراد ام الشركات؟ وهل ستلجأ الحكومة إلى تخفيض سقف الاعفاء على الافراد ام انها ستقوم برفع الضرائب على الشرائح العليا؟ وفي حال ارادت الحكومة زيادة الضرائب على الشركات؟ فاي شركات هي المستهدفة؟
ان ترك الأمر عائما ووضع كامل الزيادة في الايرادات في بند واحد بدون تقديم أية تفاصيل يتعارض مع مبدأي الشفافية والمكاشفة. واستسلام النواب لمشروع القانون بشكله الحالي هو بمثابة التوقيع على بياض واطلاق يد الحكومة في ملف الضرائب بدون أية محددات. لذا فقد كان من الاصح لو قامت الحكومة باعادة تبويب بند الضرائب الاخرى وتوزيعه بين البنود التقليدية (الدخل، السلع والخدمات، المعاملات المالية والتجارة والمعاملات الدولية) على النحو الذي يقتضيه برنامج الإصلاح. لكن ما تزال هنالك فرصة أمام الحكومة لتدارك المشكلة وذلك من خلال أن تقوم بتقديم شرح مفصل حول برنامج الإصلاح المالي والهيكلي للجنة المالية وسائر اعضاء المجلس.
اما ما يتعلق في فرضيات الموازنة، فمن الصعب جدا في ضوء حالة عدم الاستقرار في المنطقة التنبؤ بالمستقبل بدرجة عالية من الثقة. فاذا انفرجت الاوضاع في المنطقة، يصبح من غير المستبعد ان نرى النمو الاقتصادي عند 4-5 % اما في حال ازدادت الأمور سوءا فسيكون من المستحيل على الاقتصاد ام ينمو بأكثر من 2-2.5 %. وفي ضوء عدم اليقين، كنت اتمنى لو تقدمت الحكومة بتحليل للحساسية (Sensitivity Analysis) يبين التغير في الإيرادات والنفقات وعجز الموازنة عند مستويات مختلفة لفرضيات الموازنة.
هذا النوع من التحليل هو الكفيل بالاجابة على اسئلة مثل: كيف سيكون شكل الموازنة فيما لو انخفض النمو الاقتصادي إلى 2 % وارتفع سعر برميل النفط إلى 60 دولارا؟
عندها يصبح بمتناول مجلس النواب فهم ديناميكيات ومحركات عناصر الموازنة العامة ويكون المجلس على دراية بالسيناريوهات المحتملة التي قد تؤول اليها الموازنة تحت الظروف المختلفة. وهو ما من شأنه ايضا أن يعزز من قدرة مجلس النواب على الرقابة على اداء الحكومة ومحاسبتها تبعا لما تؤول اليه الظروف.
في العالم يوجد مدرستان؛ مدرسة تدعو إلى الانفاق والتوسع وحفز معدلات النمو الاقتصادي وتقليل العجز كنسبة من الناتج المحلي الاجمالي عبر زيادة مقام النسبة، واخرى تدعو إلى التقشف وضبط الانفاق وتقليل العجز عبر التقليل من بسط النسبة. وفي ضوء حالة عدم اليقين التي تهيمن على المنطقة فان التوسع في الانفاق يقع في خانة المخاطرة والمجازفة خصوصا عندما يكون الدين العام مرتفعا كما هو الحال في المملكة. فماذا لو توسعنا في الانفاق لكن الظروف الاقليمية لم تستجب، فهل سنتحمل ان يزيد الدين العام لدينا عن 100 % من الناتج الاجمالي؟ الجواب: لا. فوحدها الدول المتقدمة هي القادرة على تحمل تلك المستويات فهي دائما قادرة على الاقتراض لآجال طويلة وعلى أسعار فائدة معقولة.
باعتقادي أن الأولوية الآن هي أن نعيد ترتيب الموازنة وان نكون متجهزين لانطلاقة قوية في اللحظة التي يعود فيها التوازن إلى ماليتنا العامة يقودها، أي الانطلاقة، مجلس السياسات الاقتصادية الذي يعكف الآن على وضع سياسة اقتصادية للبلاد تقوم، بحسب ما فهمت، على مبدأ التركيز على القطاعات ذات الميزة التنافسية العالية.
يبقى القول بان التقشف يحتاج إلى حكومات تحظى بالشعبية. والحكومة الحالية ما تزال جديدة وامامها الفرصة لتحقيق القبول الشعبي المطلوب؛ والمفتاح امامها هو محاربة التهرب الضريبي، فاذا لمس المواطن جهدا حقيقيا في محاربة هذه الظاهرة سيكون بالتأكيد أكثر تقبلا لإجراءات الحكومة الصعبة اما ترك المتهربين يسرحون ويمرحون وحصر الإجراءات بالفئات ذاتها، وأهمها الموظفون، فبالتأكيد سوف يجعل المهمة أمام الحكومة أكثر صعوبة!
سؤال اخير: لماذا لم تتضمن فرضيات الموازنة السعر المتوقع لبرميل النفط؟
الغد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى