مقالات

موازنة غير واقعية

شارك هذا الموضوع:

هاشتاق عربي- جمانة غنيمات- تكشف قراءة متأنية لموازنة العام المقبل أن كثيرا من مؤشراتها غير واقعية؛ إذ لا تعكس الحال الصعبة اقتصادياً على وجه الخصوص، كما لا تُظهر أيضا إدراكاً لمدى صعوبة الواقع القائم عموماً.
ثمة ملاحظات متعددة يلزم التوقف عندها ومراجعتها لجعل الموازنة أكثر واقعية، منها:
أولا، معدل النمو الاقتصادي. إذ يقدّر مشروع قانون الموازنة أن يشهد الاقتصاد نموا مقداره 3.3 %. وهذه النسبة رغم تواضعها، بعيدة عن الواقع قياسا على أداء العام الحالي، وتقديرا كذلك للمعطيات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
ثانيا، تخفيض نسبة الدين. إذ تقوم الموازنة المقبلة على أساس أنه تبعا للمؤشرات، ستنخفض المديونية العامة كنسبة، بعيدا عن الأرقام المطلقة؛ لتبلغ 77 % من الناتج المحلي الإجمالي بعد خمسة أعوام، نزولا من 93 %. فيما سيبلغ حجم هذه المديونية خلال العام المقبل 26 مليار دينار.
ثالثا، تحقيق التنمية المستدامة، وتخفيض معدلات الفقر والبطالة. وهنا لا أدري كيف سيتسنى ذلك، وحجم الإنفاق الرأسمالي الحقيقي لا يتجاوز 350 مليون دينار! ويرتبط ذلك أيضا بالحقيقة الرابعة.
رابعا، زيادة الإيرادات المالية، وتحديدا الضريبية منها. إذ يتوقع مشروع الموازنة ارتفاع الإيرادات العامة بحوالي 530 مليون دينار. فيما تزيد الإيرادات الضريبية بنسبة 20 % عن مستواها في العام الحالي، جراء عزم الحكومة اتخاذ إجراءات إصلاحية ضريبية بحصيلة 450 مليون دينار، وفقا لبرنامج الإصلاح المالي والهيكلي؛ وبما يزيد من العبء الضريبي بشكل ملحوظ.
لكن تحقيق هذه الزيادة الكبيرة في الإيراد المحلي يبدو صعبا، في ظل أرقام النمو المنشودة، والتي لن تتحقق. كما أن السعي إلى تحقيق هذا الهدف سيصعّب بدوره فكرة تحقيق التنمية وتخفيض معدلات الفقر والبطالة.
كذلك، يقف أمام المساعي الطيبة للحكومة لتحقيق التنمية، إهمال البعد الاجتماعي في موازنة العام المقبل؛ إذ لم ترتفع مخصصات هذا البند بمستوى يخفف من حدة الظروف الاقتصادية، فيمنع مزيد أردنيين من الانزلاق إلى ما دون خط الفقر.
خامسا، تعهد وزير المالية بالحفاظ على الاستقرار المالي. لكن الأرقام المطلقة والتوسع غير المبرر وغير المفيد في الإنفاق، يضربان هذا التعهد. بل ولأن الموازنة غير إصلاحية، يبدو هدف الحفاظ على الاستقرار المالي، والتالي الاستقرار النقدي، تنظيرا لا يقوم على معطيات وخطوات حقيقية.
سادسا، ثمة مؤشر مهم كان يلزم التركيز عليه، لمحوريته وعمق انعكاساته على المالية العامة والسياسة الاقتصادية، وهو المتعلق بحجم المنح الذي تُظهر الأرقام تراجعه. ورغم أنه تراجع غير كبير؛ مقداره 37 مليون دينار، فإن ذلك إعلان بدء مرحلة جديدة علينا الاستعداد لها، عنوانها انتهاء زمن المنح الخارجية.
سابعا، التوجه نحو الاقتصاد الإنتاجي. إذ لا يبدو هذا هدفا لموازنة العام المقبل، كما ليس من أهدافها السعي إلى إعادة هيكلة الاقتصاد وتحديد هويته؛ بل يمضي بنا مشروع القانون في حلقة مفرغة من الإنفاق المريض.
ثامنا، في الحديث عن الإنفاق المريض أو غير الصحي، تجدر الإشارة إلى بند متكرر في الموازنة العامة تحت مسمى “تسديد التزامات سابقة”، يتصاعد حجمه سنويا، من دون أن تشرح لنا الحكومة -ممثلة بوزارة المالية- ما هو! وتبلغ قيمته العام المقبل 360 مليون دينار. والسؤال حول هذا البند هو: أين أخطات الحكومات، ومتى خرقت قانون الموازنة العامة ولم تلتزم به، بحيث صار لزاما ترحيل هذه الأرقام من عام لآخر؟!
موازنة العام 2017 ليست أفضل من موازنات سنوات سابقة، بل قد تكون أسوأ منها؛ لما فيها من مجافاة للحقيقة وإنكار للواقع الصعب على كل الصعد. يضاف إلى ذلك ملاحظات أخرى، فتكون المحصلة أنها موازنة غير واقعية.
الغد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى