هاشتاق عربي – إبراهيم المبيضين
قبل نحو عقدين من الزمن، لم يكن أمامنا متنفسا اعلاميا، ومصادر للحصول على الخبر والمعلومة سوى الصحف الورقية والتلفزيون والاذاعة الرسمية، ولم يكن متاحا وقتها التعليق والتفاعل مباشرة مع ذلك الخبر وتلك المعلومة الا في حدود ضيقة جدا في بعض البرامج، …..
حتى ان بعض الأحداث والأخبار كانت تحتاج الى ايام وربما اسابيع حتى يتشكّل راي عام عليها، او نرى إنقسامات في الاراء حيال مضمونها، وكانت الأحداث السياسية والاقتصادية والاجتماعية الهامة تناقش على مستوى العائلة او المجتمع في دوائر ومجموعات مغلقة ومحدودة…….
وعلى قلة مصادر الحصول والاطلاع على الاخبار في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، وعدم إمكانية التفاعل وتداول الأراء مع شحّ المنصات التي يمكن ان نطلق فيها العنان لما نفكر به حول حدث او شخصية ما ، الاّ أنّنا كنّا أكثر صفاءا وسعادة على ما اعتقد، ……
لقد كنا اكثر صبرا، يحوطنا الهدوء ، وكنّا اقرب الى العدالة والحصافة في اصدار الاحكام والتعبير عن اراءنا في الناس والشخوص والأحداث، وكيف لا وقد كان أمامنا وقت اطول في التحليل للوصول الى راي ما، ..
في عصر” ما قبل” طفرة الإنترنت، والهواتف الذكية، وتطبيقات التواصل الإجتماعي ، كان قلقنا وخوفنا والتداخل في الافكار على مستوى الأفراد او المجتمع في اقل مستوياته ….
ففي تلك الحقبة الزمنية، لم نكن نعرف عن الانترنت الكثير، ولم يكن احد يتوقع ان تتطور هذه الشبكة لنصل اليوم الى هذا المستوى من التواصل الذي فتحت أبوابه الواسعة مفاتيح الهواتف الذكية وما حملته من تطبيقات ومنصات خصوصا شبكات التواصل الاجتماعي…..
هذا الانفتاح، أمطرنا بكم هائل من المعلومات والبيانات : معلومات عنّا كافراد، عن شوراعنا وحياتنا ومجتمعنا ومؤسساتنا، فاليوم شاهد العديد منا ” الجلبة” التي اثارتها كلمة النائب طارق خوري في البرلمان والصدامات بين عدد من النواب مباشرة في اللحظة او بعد ذلك بقليل من الوقت، فقد كانت كاميرات الهواتف وتقنيات البث المباشر متواجدة هناك……..
لو لم تكن هذه التقنيات موجودة لم نعد يوم امس الى بيوتنا نفكّر بما حصل في “العبدلي”، ولم نشاهد الاراء والتعليقات والسلبية التي تشغلنا حتى اللحظة لتثقل كاهلنا وتضغط على اعصابنا أكثر وأكثر، وخصوصا اننا عشنا اليومين الماضيين ولمسنا وتأثرنا بسلوكيات ” مؤلمة” و ” مشينة” على ” السوشيال ميديا” عندما تعرض وزير التربية والتعليم الجديد – الاقتصادي والمفكر الدكتور عمر الرزاز لحملة تهدف إلى التشويش على عمله في منصبه الجديد، من خلال منشورات ” كاذبة” حول ” كتابته باخطاء إملائية” ، وأخبار مبالغ فيها مثل خبر ” علامات التوجيهي الاضافية”، فضلا عن الانتهاك الصارخ لصفحته الشخصية.
من يفسّر كل هذه الجرأة ؟ ولماذا اصبحنا ملزمين بتحمّل كل هذا الكم الهائل من المعلومات حتى الكاذبة منها؟
هي التكنولوجيا وشبكات التواصل الاجتماعي، وهو فضولنا وانبهارنا بهذه التقنيات : بسرعتها وانفتاحها ، وحاجتنا الى الخبر والبناء على الخبر والتعبير عن الرأي في اللحظة، لقد اصبحنا نعبّر عن الراي حتى لو لم نكن متخصصين في هذا المجال فجلوسنا خلف حواسيبنا واجهزة هواتفنا يكسبنا الكثير من الجرأة،…..
كل ذلك بما ضربته من أمثلة عشناها الايام القليلة الماضية، والذي يضاف الى تعب وهمّ وافكار وضغط نفسي مع انشغالنا بهنا الاقتصادي، ومحيطنا السياسي الملتهب، وسعينا لتطوير حياتنا، يجعلنا اكثر قلقا واقل صفاءا منذ ذي قبل، وخصوصا ان التكنولوجيا وشبكات التواصل الاجتماعي تناقش ذلك وتظهره للعلن وتدمجنا به بشكل او باخر ، وتجهدنا فكريا ونفسيا بكل ما يدور في عاولمها وصفحاتها من معلومات ومحتوى معظمه للاسف ” سلبي”، ومصدره في كثير من الاحيان ” من غير المتخصصين”.
صدق الفيلسوف والروائي الإيطالي الشهير أمبرتو إيكو عندما وصف شبكات التواصل الإجتماعي مثل تويتر وفيسبوك – بانها جعلت الجميع يتحدث كمن يحمل جائزة نوبل.
وكان يقول هذا الفيسلوف العالمي عن هذه الشبكات بانها : ” تمنح حق الكلام لفيالق من الحمقى، ….تمنح لهم الحق لهم الحق بالكلام مثلهم مثل من يحمل جائزة نوبل. إنه غزو البلهاء”.