مقالات

ويسألونك عن كيفية تجنب عجز الموازنة في الأعوام المقبلة؟

شارك هذا الموضوع:

هاشتاق عربي

شغل موضوع عجز الموازنة العامة للعام 2017 الشارع الأردني في الأشهر الماضية وما زال، فالجميع يرغب بأن يمر العام الحالي بأمان وأن لا نتوجه في نهايته لزيادة مديونية الأردن من أجل سد أي عجز في الموازنة.
وايضاً، وبالمقابل، لا يرغب أي منا بزيادة في الضرائب ولا انكماشاً في النفقات الرأسمالية، ولكن وبالرغم من هذا وذاك نبحث جميعا عن كيفية رأب الفجوة من خلال زيادة الإيرادات من الضرائب، والغريب في الأمر أننا ما عدنا ننظر إلى تخفيض النفقات من أجل رأب الفجوة وكأننا استسلمنا لأمر واقع وهو ليس بواقع ولا حتى واقعي.
هناك العديد من الإجراءات التي يمكننا من خلالها تحسين كفاءة الإنفاق ولا أعني الترشيد هنا، فالكفاءة تعني استخدام المخصصات بكفاءة للحصول على نفس الخدمات بأسعار أقل أو باستخدام أفضل للموارد، بينما الترشيد قد يعني القبول بمستوى أقل من الخدمات وليس هذا ما عنيت. وبما أنني دائمة النظر لقطاع الطاقة، أرغب في هذا المقال بالتركيز على موضوع واحد فقط وهو الكهرباء التي تستخدمها المؤسسات الحكومية وذلك كمثال، ليس إلا.
قد تذهلون عندما تعرفون سعر تعرفة الكهرباء للمؤسسات والدوائر الحكومية؛ فبحسب هيئة تنظيم قطاع الطاقة والمعادن وفي العام 2015 استهلكت الدوائر والمؤسسات الحكومية 714,204,495 كيلو واط ساعة من الكهرباء وبتكلفة اجمالية بلغت 173,255,718 دينارا أي انه كان معدل سعر الـ (ك.و.س) 24 قرشا!!!!
فقط هي البنوك وشركات الاتصالات التي تزيد تعرفتها عن هذه التعرفة!!! أيعقل ذلك؟؟
في حالة الاتصالات والبنوك نحن نعلم بأن السعر مرتفع لأن أرباحهم مرتفعة، وبالتالي سعر الكهرباء هو إحدى الضرائب غير المباشرة التي يدفعونها، اما أن يكون السعر للوزارات والدوائر الحكومية بهذا المقدار فذلك عجيب غريب ولا أدري إن كان هناك حكمة من الموضوع، لكنني حتما لا أراها!.
كما وبلغت كلفة ايصال التيار الكهربائي للمستهلك النهائي لكل (ك.و.س) 10.4 قرش وذلك بحسب هيئة تنظيم قطاع الطاقة والمعادن، أي أن سعر بيع كل (ك.و.س) للمؤسسات والوزارات الحكومية يزيد بمقدار 13.6 قرش عن سعر التكلفة. والحديث هنا ومرة أخرى للتأكيد هو سعر بيع الكهرباء للدوائر والمؤسسات والوزارات الحكومية. وبحسبة بسيطة يتضح بأن الفرق بين سعر شراء الكهرباء المشتراه من قبل الدوائر الحكومية وسعر تكلفتها الفعلية هو 96 مليون دينار سنوياً!!!!
لو أنني مكان أي مدير لمؤسسة حكومية أو وزيراً فلن أرضى بذلك لأنه يعني أن أدفع أكثر من ضعف ما يجب أن أدفعه لفاتورة الكهرباء، كما يعني ذلك ارتفاع نفقات وزارتي على حساب أمور أخرى كان الأولى أن يتم رصد مخصصات لها.
قد يقول البعض “هاي جيبتي وهاي جيبتي”، لكن هذا ليس صحيحاً ويجعلنا بعيدين عن الشفافية والمساءلة التي ننشدها. لنتوقف عن تحميل مؤسساتنا ووزاراتنا عبء مؤسسات أخرى ولنعترف أين الوجع وأين المشكلة، فقط عندها سنتمكن من معالجة السبب باستخدام الدواء المناسب، لا أن نستمر بإعطاء المسكنات.
كل ما سبق هو فقط تحت بند تسعير الكهرباء حسب تكلفتها للمؤسسات والدوائر الحكومية.
أما البند الثاني وهو بذات الأهمية فهو كفاءة استخدام الكهرباء في هذه المؤسسات؛ حيث تشير الدراسات إلى إمكانية تخفيض استهلاك الكهرباء إذا ما اتبعنا وسائل لزيادة الكفاءة بأكثر من 20 %، وبحسبة بسيطة أيضاً فإن تخفيض 20 % يعني تخفيض النفقات بما يعادل 35 مليون دينار سنوياً وقد يكون أكثر.
أما بند تحويل الوزارات والدوائر الحكومية لإنتاج واستهلاك الكهرباء من الطاقة الشمسية فحدث ولا حرج عن التوفير في النفقات، فهو يعني تخفيض فاتورة الكهرباء من 173 مليون دينار سنوياً إلى ما يقارب 42 مليون دينار سنوياً أي توفير ما يقارب 130 مليون دينار سنوياً…الأرقام مهولة.
وأخيرا وليس آخراً، إن تكلفة الـ (ك.و.س) في الأردن هي ضمن التكلفة الأعلى في العالم، وهنا أيضاً أتكلم عن الكفاءة؛ كفاءة الانتاج والنقل والتوزيع، أيعقل أن تكون تكلفة انتاج وتوصيل
الـ (ك.و.س) في الاردن هي ضعف تلك التي في كندا ( وتبلغ 55 فلسا في عام 2014)، وأميركا (وتبلغ 64 فلس في عام 2014)، بينما هي 104 فلس في الأردن وذلك في عام 2016 أي بعد انخفاض اسعار النفط؟!، ولماذا يدفع المستهلك ثمن قلة كفاءة المنتج أو الناقل أو الموزع للكهرباء؟!، إن كان الموضوع بحاجة الى إصلاحات هيكلية، فاليوم نحن بحاجه لهذه الاصلاحات أكثر من أي وقت مضى.
باستخدام الأرقام السابقة وتحت بند واحد فقط من النفقات الجارية نرى بأن هناك مجالا واسعا لتخفيض النفقات الجارية السنوية، ولا بد لنا من أن نبدأ اليوم حتى نتمكن من الوصول الى ما نصبو إليه من رأب الفجوة في الموازنة العامة في الاعوام المقبلة، ولن يكون ذلك بالتمني أو بزيادة الضرائب التي أثقلت كاهل المواطن وإنما بإصلاح الحال والاستخدام الأمثل والأكفأ للموارد.

م. هالة زواتي – خبيرة في قطاع الطاقة -(الغد)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى