خاصمقالات

متى تكون الريادة ” جواز سفر” يتخطى حدود السياسة ؟

شارك هذا الموضوع:

هاشتاق عربي

* ألاء سليمان

إلتقينا لأول مرة في إحدى فعاليات صندوق ” أويسس 500″ – المعني باحتضان ودعم والاستثمار في الشركات الريادية، ولفت انتباهي حينها مشروعها الموجّه لتعليم الأطفال الأقل من عمر 7 سنوات وباللغة العربية، تعارفنا والتقينا عدة مرات في فعاليات أخرى مختلفة وبدأنا نقترب من بعضنا أكثر وبدأت تخبرني عن التحديات التي تواجهها، اتحدث عن صديقتي “ماريا”.

“ماريا” ريادية يمنية، أم لطفل تعيش وأسرتها الصغيرة الآن في الأردن منذ عامين، لتبدأ مشروعها الذي يحمل شغفها وحبها وأملها بأجيالٍ منتمية عربياً وثقافياً ومستقبل أفضل لهم، تلك الشابة المفعمة بالحيوية الممزوجة بالخجل والهدوء تعمل بجد واجتهاد وصمت.

واستلهمت ماريا فكرة مشروعها “فضاء الأطفال” kids space من حاجة لمستها حين أنجبت طفلها الأول ولم تجد محتوى عربيًا يساعد على تعليم طفلها بعد عمر السنيتن في حين يتوفر المحتوى باللغات الأخرى.

باشرت ماريا بالتخطيط لتنفيذ الفكرة، وبدعم من الجمعية غير الربحية في اليمن”مؤسسة مبادرة الشباب للتنمية” والتي كانت برعاية المهندس الشيخ عبدالله أحمد بقشان تقدمت هي و20 شابًا يمنيًا إلى أويسس500 وخضعوا لمخيم تدريبي، ثم وبعد اجتيازها المقابلات والاختبارات اللازمة اختيرت هي و4 أفكار أخرى لتحصل على احتضان وتدريب من أويسس500.

فتحت ” اويسس 500″ لماريا والشباب اليمني الباب لتطوير افكارهم ، وهو الامر الذي لم يجدوه في بلادهم التي تعيش وضعا سياسيا مضطربا وحربا افقدتهم كل الفرص المتاحة فجاؤوا إلى الأردن الذي احتضنهم بحب وفتح لهم أبوابه،…. كما وأمّن لهم الشيخ بقشان مصاريف العيش والإقامة فيها، ودعمهم بالاستثمار الأولي.

و لكن للأسف بدأت التحديات بعد ذلك تظهر تباعا أمامهم لتصبح حواجز يمكن ان تحد من تطوير افكارهم ومشاريعهم: ابتداء من اقامتهم في الأردن إلى تسجيل وترخيص شركاتهم كونهم لا يحملون الجنسية الأردنية والتي تجاوزوها بمساعدة أويسس500 من خلال هيئة الاستثمار، و انتهاءاً بعدم تقبل المستثمرين لهم لأسباب عدة منها خوفهم من الخطورة الكبيرة بأن يكون أصحاب هذه الشركات من غير الأردنين وصعوبة استقرارهم واستمرارهم مع الظروف المتقلبة الراهنة.

ومن هنا يتبادر للذهن أليست روح ريادة الأعمال الحقيقية في الخطورة وتجاوزها؟ أليست أساسيات الريادة في أن ندرس المخاطر ونتجاوزها ونعمل على ابتكار طرق لتجنبها ولكن كيف يمكن تجاوز الخطورة حين تكون “وطن”؟

أذكر حين التقيت “ماريا” قبل أيام قالت لي بصوت حزين:” أتعلمين لقد اكتشفت أن مشكلتي الحقيقة هي بأنني يمنية!”

قالت هذه الجملة ثم طأطأت رأسها وبدأت تهز قدميها يمنة ويسرة محاولة توجيه تفكيرها في اتجاه آخر، فكم هو مؤلم أن تكون مشكلتك “وطنك”!

لتتابع كلامها: “أنا محظورة من دخول أغلب دول العالم كوني يمنية، فلا أستطيع المشاركة بأية مسابقة أومؤتمر خارج الأردن”.

ثم ابتسمت وأضافت: “والمفارقة أيضًا أنني في بعض برامج دعم الريادة والاستثمار العربية أُحسب غالباً على دول الخليج -التي تدعم شبابها وتتبناهم وتوفر لهم الفرص والدعم المناسب- فيرون غيري أحق بتلك الفرصة مني لأن دول الخليج تدعم شبابها ولكن أنا من اليمن وهي ليست كذلك إطلاقاً، أتعلمين؟ أنا دائمًا ما أشعر بالوحدة والغربة في كل مكان لا أعرف أحدًا وفي أي مكان ينظر لي وكأنني آخذ فرص أصحاب تلك البلد وأنهم أحق مني بها!”

أنهت كلماتها تلك ثم غادرت لكني بقيت أفكر فيها، فلم أكن أعرف كثيراً عن حال الشباب اليمني من قبل، ولكني أتوقع أن هذه حال كل الشباب العربي الذين تعاني بلادهم من حروب سياسية ظالمة. وبدأت التساؤلات تجتاحني بشدة أليس مِثل هذه الضغوط عليهم ستكسر كل همة وأمل وطموح في نفوسهم؟ وتحطم أحلامهم؟ ألن تدفعهم هذه التحديات والقيود للتدخل في السياسة بشكل أكبر لإحداث تغيير حقيقي؟ وتُرى حينها كم يدّ ستمتدّ لاحتضانهم واحتوائهم ليصبحوا ذراعها التي يبطشون بها؟ وإلى متى سيبقى الشباب وأحلامهم أداة يستغلها ويحارب بها السياسيون بعضهم فإما يموت الشباب كمداً وقهراً وظلماً أو قد يقتلهم الإرهاب والعصبية!

قد تكون “صديقتي اليمنية” أوفر حظاً من قريناتها في اليمن، حيث تمكنت من أن تحصل على فرصة جيدة في الأردن لتبدأ في تحقيق حلمها على أمل بأن تزهر شركة عربية مميزة في يوم قريب – بإذن الله- لكن هل يا ترى سيأتي يوم قريب تُمزّق فيها قيود السياسة تلك وتُرعى العقول الشابة وأحلامها بشكل سليم، قبل أن تتحول وتصبح لعنة ووبالًا؟ فهل سيأتي يوم يؤمن فيه العالم بأن صديقتي اليمنية “ريادية” تحمل هدفًا وحلمًا وستكون إضافةً لأي بلد سيسمح لها بدخوله؟ وهل سيأتي يوم تصبح فيه الريادة وطناً وجواز السفر الذي سيتخطى حدود السياسة؟

* المدير التنفيذي والشريك المؤسس لشركة مسموع للمعرفة الصوتية

_

يمتلك مبيضين خبرة تقارب الـ 10 اعوام في مجال العمل الصحافي، ويعمل حاليا، سكرتير تحرير ميداني في صحيفة الغد اليومية، وصحافيا متخصصا في تغطية أخبار قطاع الإتصالات وتكنولوجيا المعلومات، الملكية الفكرية، الريادة، والمسؤولية الإجتماعية. ويحمل مبيضين شهادة البكالوريوس من جامعة مؤتة – تخصّص ” إدارة الأعمال”، كما يعمل في تقديم إستشارات إعلامية حول أحداث وأخبار قطاع الإتصالات وتكنولوجيا المعلومات الأردني. Tel: +962 79 6542307

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى