مسؤولية اجتماعية

زراعة القوقعة.. عالم جديد يكتشفه صغار يأملون بالسمع بلا حدود

شارك هذا الموضوع:

هاشتاق عربي

“الصمت العميق، وملامح عدم الفهم لما يدور حوله”، كانت هذه ردود الفعل الأولى للطفل محمد الذي زرع قوقعة 3G، وعاش لحظات السمع الأولى بعد أن كان أصم لأكثر من ثلاثة أعوام ونصف، حسب وصف والده محمود الرواشدة.
ويروي المتقاعد العسكري قصته وزوجته مع محمد “آخر العنقود”، على حد تعبيره، فهو الطفل الخامس له، ولأنهما غير معتادين على هدوء أطفالهما، وعدم الاكتراث للضجيج الذي يحدث من حولهما، شعرا بأمر غريب عندما اكتمل عمر ابنهما خمسة أشهر، فكان على حد تعبير والد محمد طفلا هادئا لا يستجيب لأي أمر أو صوت، حتى أنهما باتا يصطنعان الضجيج بأواني المطبخ، والمكنسة الكهربائية، لكن من دون فائدة أيضا.
محمد وعائلته يقطنون بلدة جم من لواء الوسطية في محافظة إربد، وبعد أن أحس والداه بأن هناك أمرا غريبا قررا مراجعة أحد المستشفيات لعمل تخطيط سمع؛ إذ تم تشخيصه بداية بـ”وجود سوائل خلف طبلة الأذن”، وبعدها راجع مستشفى آخر، وأظهرت الفحوصات وجود مشكلة سمعية لدى محمد.
ويقول الرواشدة، إن ابنه في عمر الثلاث سنوات ونصف ركب سماعات طبية مدة ستة أشهر، لكن لم تكن لها آثار إيجابية، وبعدها تقدم بطلب لمبادرة سمع بلا حدود، التي اطلقتها مؤسسة ولي العهد.
وكان للرواشدة فرصة اللقاء مع ولي العهد الأمير الحسين بن عبدالله، الذي تعاطف مع حالة طفله وتعهد له بزراعة القوقعة على حسابه الشخصي.
وبعد زراعة القوقعة، أصبح محمد يرتاد مركز تدريب النطق، وعند عودته إلى البيت يكون متعلما كلمة لا يعلم معناها تماما فيكون على العائلة الجهد الأكبر لتعليمه الكلمة ومعناها وكيفية استخدامها، فهو بعمر لا يعلم أي كلمة وليس لديه أي مخزون لغوي ولا يعلم معنى ما بات يسمعه فكان الجهد كبيرا لتعليمه كل شيء.
ويذكر أبو محمد إحدى القصص الطريفة التي كانت فاتحة خير عليه؛ حيث كانت أول كلمة نطقها “بوظة”؛ إذ كانوا في طريقهم للمنزل بعد العلاج، وكان ينظر إلى ثلاجة البوظة وطلبها بعينيه. فاتفق معه والده أن شراءه للبوظة مرهون بنطقه الكلمة، وبقيا خمسا وأربعين دقيقة عند الثلاجة في محاولة لجعل محمد ينطق الكلمة.
وبعد ذلك قالها بصوت عال، واشترى له ما يريد فرحا بالتقدم الكبير آنذاك؛ إذ سمع صوت ابنه لأول مرة.
الرواشدة عاش حياته في سبيل جعل محمد يلحق بأقرانه، حتى يستطيع الوفاء بمتطلبات العلاج المالية، وإيجاد الوقت اللازم لهذا العلاج، ما بعد زراعة القوقعة.
ويقول “يحتاج الأطفال بعد زراعة القوقعة إلى التركيز على الحفظ وتخزين الكلمات، وهو الدور المطلوب من العائلة والمحيط”، مبينا أن القوقعة تحتاج كل 3-6 أشهر إلى عملية برمجة، أما البطاريات فهي بحاجة إلى تجديد شهري.
ويبين أبو محمد أن مبادرة سمو ولي العهد “سمع بلا حدود”، قدمت الشيء الكبير للأطفال الصم وعائلاتهم، ويكمل “لم نعد نحتاج إلى العلاجات الشهرية ومشاكلها التي لا تنتهي؛ إذ وفرتها لنا بثلاث مراجعات سنوية بدلا من المراجعات الشهرية للبطاريات والعلاج”.
اليوم محمد يتحدث ويسمع جيدا ولديه مخزون جيد من الكلمات، أما نطقه وهو ما يدل على مجهود عائلته الضخم معه، فهو سليم وكأنه لا يعاني من الصمم.
أكمل محمد عامه التاسع وفي طريقه إلى الصف الرابع، غير متأخر عن أبناء جيله، وما يزال يتلقى العلاج، حتى آخر العمر من تحديث البرمجة والأجهزة.
ويبين محمد أنه لا يشعر بأي شيء غريب اليوم، فهو يسمع كل ما يدور حوله ويحب اللعب مع والده وإخوانه، ولديه أصدقاء كثر في المدرسة.
قصة أخرى تدل على العزيمة والإصرار للعلاج، لرؤى الكيلاني البالغة 11 عاما، والتي تعاني من ضعف عصبي حسي، وزرعت قوقعة بعمر الثلاث سنوات بعد العديد من الفحوصات والمراجعات. يقول والدها موسى الكيلاني “أدركنا أنها أصبحت تسمع ما حولها من أصوات من خلال بكائها المستمر لكل ما تسمعه وشعورها بالانزعاج، لكن بعد تعودها عليها بات من المستحيل أن نزيل السماعة عنها” وفق والدها.
ويضيف “حاولت وزوجتي تكذيب أنفسنا وتجاهل عدم اهتمام رؤى بالأصوات حولها حتى عمر العام الواحد، وبعدها لم يكن بالإمكان إهمال هذا الأمر، وتبين أنه يجب إخضاعها للفحوصات وتقديم المساعدة لها”.
وبعد بدئها العلاج، تعرضت رؤى وأهلها لحادثة جديدة، أخرت علاجها مرة أخرى مدة عامين؛ إذ تعرض منزلهم لحريق، وجراء استنشاق غاز ثاني أكسيد الكربون وعدم وصول الأكسجين لدماغ رؤى أصيبت بشلل دماغي.
ويبين الكيلاني أن علاج ابنته من الشلل الدماغي كان أولى بالنسبة له من الصمم، فأهمل علاج الصمم في ذلك الوقت وركز على علاج الشلل الدماغي ونجح فيه بعد مرور العامين، ما يعني أنه عاد لعلاج الصمم لرؤى بعمر الخمسة أعوام.
ويكمل “لأن مخزونها اللغوي بسيط جدا، فكان علينا إخضاعها لمراكز خاصة ومن ثم مدارس خاصة، التي تعطي التعليم الأساسي، والباقي علينا”.
والدا رؤى وإخوانها الذين يسكنون مدينة السلط، كان لديهم دور في تعريفها بالأصوات وفهم ما يقال ومحاولة تحفيظها الكلمات الجديدة، ووجدوا أن عليهم عدم اتباع لغة الإشارة معها، وذلك من خلال ربط أيديهم والحديث معها مباشرة، وجعلها تركز على ما يقال وتفهمه.
ويؤكد الكيلاني أن المبادرة السامية لها تأثير كبير في مساعدة رؤى وغيرها من الأطفال كبداية الطريق، ويبقى هنالك جزء كبير على الأهالي بتعليم أبنائهم الكلمات.
وأطلق ولي العهد الأمير الحسين بن عبد الله، مبادرة “سمع بلا حدود”، وهي لأصحاب ضعف السمع البسيط والمتوسط والشديد، والفئات العمرية المستهدفة بشكل كبير في هذه المبادرة هي (0-6 أعوام).
وتبين مديرة مبادرة “سمع بلا حدود”، علا الحمود، أن استهداف هذه الفئات يأتي لأنهم أسرع باكتساب اللغة، في حين يمكن زراعة القوقعة عن طريق المبادرة لمن أعمارهم من 30-50 عاما، لكن لمن تعلم اللغة من قبل وإثر تعرضه لحادث معين وفقد سمعه أو ضعف.
وتشير إلى أن عدد المستفيدين من زراعة القوقعة عن طريق المبادرة نحو 1200 شخص؛ إذ توعي المبادرة الأهالي بالأمراض الناتجة عن زواج الأقارب والحد منها، وإقناع الأهالي بعدم إنجاب أطفال آخرين حتى التأكد بأن حالة الصمم الموجودة سببها غير وراثي، بالإضافة إلى الانتباه إلى حرارة جسم الأطفال، وتجنب التهاب السحايا.
وتوضح الحمود أن المبادرة تعمل اليوم على إيجاد مساحات سمعية عند الولادة، تكشف بوقت مبكر عن المشاكل السمعية، إذ كلما كانت النتائج مبكرة كانت نتيجة العلاج أفضل.

– الغد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى