الرئيسيةريادةمسؤولية اجتماعية

الطبقية “تلوّن” أدراج عمان

شارك هذا الموضوع:

هاشتاق عربي

صنفان من الأدراج في وسط عمان يتسلقان سفوح الجبال المحاذية؛ الأول يضم الأدراج المتجهة غرباً نحو اللويبدة وجبل عمان، والثاني يضم الأدراج المتجهة شرقاً وجنوباً نحو سفح وادي الحدادة والهاشمي والجوفة.
أدراج الصنف الأول مشهورة و”مدللة” إلى حد كبير، وفي السنوات الثلاث الأخيرة طالها الكثير من العناية والمبادرات الشبابية والألوان وعقدت فيها النشاطات، وزينت جدرانها وسقفت بالمظلات والورود… وهذا أمر جيد بالطبع. لكن وضع أدراج الصنف الثاني مختلف كلياً.
وفيما يلي نلقي الضوء على أحد نماذجها، لنتعرف من خلاله على معنى السكن على جوانب درج في حي فقير هو في مثالنا هنا “وادي الحدادة”.
عموما قد يكون السّكن على سفح جبل مطمعاً للكثيرين، نظراً لما يوفره من إطلالة، ومن جماليات يوفرها فارق المنسوب بين موقع وآخر، وغير ذلك مما قد يسرح به الخيال. ولكن ذلك مشروط بظروف غير تلك التي تتواجد على جانبي “وادي الحدّادة” وسط العاصمة؛ حيث يقوم واحد من أقدم أحياء عمّان الشعبية، ويقطنه الألوف من الفقراء القادمين إلى عمان من شتى المدن، وتتكدس فيه مئات البيوت لا تفصل بينها سوى أدراج من مختلف الأشكال وذات عَرْض متفاوت بين درج وآخر، وبين موقع وآخر على الدرج الواحد.
سنرى بعد قليل أن السكن حول الأدراج يعني أن هناك نمطاً خاصاً للحياة بالنسبة للساكنين وعلاقاتهم وصلتهم بالمدينة وخدماتها.

غياب فكرة الشارع
في هذا الحي وأمثاله، يغيب مفهوم الشارع، فلا أحد هنا ينزل إلى الشارع، ولا ينتظر الشاب زميله على “رأس الشارع”، ولا ينهى الأب أبناءه عن الوقوف في منتصف الشارع، ولا يدعوهم إلى ذلك عند الحاجة، ولا تخاف الأم على ابنها أن تدهسه سيارة مسرعة تعبر الشارع. إن الأدراج هي بدائل الشوارع، وهي العنصر الحاضر على الدوام، وتلقي بظلالها على مجمل تفاصيل حياة القاطنين على جنباتها.
بنى أوائل القادمين للحي بيوتهم بطريقة عشوائية، والجزء الذي نتحدث عنه هنا هو من أحياء “الطّبَبْ”؛ حيث يعيش الناس في أرض لا يملكونها، ولكنهم اكتسبوا حق الإقامة فيها بالتقادم.
هنا لا وجود لأي حيّز عام باستثناء الدرج والجامع؛ حيث يعد هذا الأخير المكان الوحيد لالتقاء الناس معاً، ورغم أن السكان شكّلوا في الماضي حياً شعبياً، بالمعنى المتعارف عليه، حيث يعرف الناس بعضهم بعضا كما أنهم اعتادوا على غياب الخصوصية عندهم كأفراد وكأسر، لكن المنطقة، كما يقولون “مرغوبة” من قبل المغتربين الذين يقصدونها لاستئجار بيوت فيها، بعد أن عُرفت بأنها تُؤجّر البيوت “للعزّاب” من العمال المصريين والسوريين والعراقيين.
يفضل الناس هنا تأجير “الغُربي” أي الغريب غير الأردني، لأنه يُخلي المنزل عندما يحتاج صاحبه، ففي العادة لا تُوقّع عقود إيجار بين الطرفين، ولا يستطيع المستأجر الامتناع عن إخلاء المنزل عندما يُطلب منه ذلك.
يتعين على القاطنين هنا من الأسر أن يغلقوا نوافذهم، فالستائر -من أي نوع كانت- مُسدلة على مدار الساعة، ويتعين على الرجال ألّا يطيلوا الوقوف على شبابيكهم، وسوف يتعرضون لانتقادات من قبل آخرين إذا وجد أحدهم في باحة منزله وهو يلبس “الشورت” على سبيل المثال، ولكن في الوقت نفسه، ليس من المقبول أن تقف فتاة أو سيدة على سطح أو شُرْفة أو شباك، إلا إذا كانت الغاية معروفة، مثل نشر غسيل أو تنظيف شباك، وإلا فإنها تعد مسؤولة عن نتائج سلوكها.

النزول إلى الوادي
لا يتمكن الناس هنا من التزود بالغاز والكاز وما شابه، بالسهولة التي يمارسها أبناء المناطق الأخرى، فهنا يتعين على من يود شراء أسطوانة غاز مثلاً أن ينزل إلى “الوادي”، وهو التسمية الشعبية لشارع الأردن، الذي قطع الحي إلى نصفين بعد إنشائه، أو أن يصعد إلى الشارع العلوي في جبل القصور، وأن ينتظر سيارة الغاز هناك، أو أن يضع أسطوانته الفارغة عند محل في الشارع مقابل عمولة يتقاضاها صاحب المحل، وكذلك الأمر بالنسبة للكاز وخلافه.
أنْ يصاب أحد بمرض يستدعي نقله إلى المستشفى، فهذا سيكون مشكلة كبرى؛ إذ لا وسيلة للنقل إلا عن طريق حمل المريض أو المريضة على الأكتاف، وحصل ذات مرة أن مرضت سيدة سمينة، مما اضطر أهلها إلى حملها فوق “سُلّم” جلبوه ومددوها فوقه، ونقلوها إلى الوادي (الشارع)، حيث يمكن للسيارة أن تصل.
أما الكارثة التي يتخوف الناس منها، فهي أن يحصل حريق مثلاً، فهذا يعني ضرورة اتخاذ إجراءات خاصة، فسيارة الإطفاء الكبيرة لا تستطيع الوصول حتى إلى الشارع العلوي الضيق الذي يخترق جزءاً من الحي أفقياً. والماء كثيراً ما ينقطع، أو يكون تدفقه خفيفاً، وهذا يجعل الناس يلجأون إلى الجامع للتزود بحاجاتهم لأن خط الماء الواصل إلى الجامع أفضل من غيره.
الأدراج ليست مخدومة فليس هناك من ينظفها بانتظام كما هي حال باقي أحياء العاصمة، وباستثناء الأدراج الواسعة الرئيسية التي تُنظّف بشكل متقطع، فإن باقي الأدراج متسخة على الدوام، وكثيرون لا يجدون وسيلة للتخلص من نفاياتهم سوى بإلقائها على الدرج مباشرة. ولكن أهل الحي اعتمدوا أحد البيوت المهجورة كمكان عام، وحوّلوه إلى مكب نفايات، ومن غير المجدي كثيراً أن يضع السكان نفاياتهم في أكياس، لأنه عندما يكون فيها رائحة زفر (سردين مثلاً وعادة) فإنها تكون مطمعاً للقطط التي تعبث بمحتوياتها.

الدرج درجنا
يبذل الأهالي جهداً في الطلب من أمانة عمان أن تجري للأدراج الصيانة اللازمة، وهناك أدراج تعود ملكيتها لأصحاب المنازل الواقعة على أطرافها، وقد يعترضون على مرور الآخرين منها، لأن “الدرج درجنا”، ويمانعون من صيانتها من قبل الأمانة لأنهم يخشون أن تتملكها، ولكن في بعض الحالات تجري هناك مبادرات على حساب الأهالي لصيانة بعض الأدراج، كما أن الأدراج غير منارة وفي فصل الشتاء يكون وضعها صعباً.
أولاد الحي لا يجدون أي مساحة للعب أو الاجتماع، وهم يضطرون للنزول إلى الوادي أو إلى الأحياء الأخرى القريبة، وحتى الأولاد الذين يجدون زاوية ما من زوايا الدرج يلتقون بها، فإن الجيران يلاحقونهم، خاصة إذا كانوا يقومون بأعمال يراها الكبار غير أخلاقية.
يقول محدثنا إنه عندما زوّج ابنه استأذن جاره “السّوفاني” (من مدينة سوف) بإقامة الحفل على سطح منزل هذا الأخير، وذلك لأنه لم يرغب بإقامته في قاعة خارج المنطقة.
يتدخل الناس بأمور بعضهم بعضا من حيث السلوك، فيُطلب من الشباب أن يتستروا في بيوتهم، والناس على العموم “مضبضبين”.
لا يعد المرور بالدرج آمناً في ساعات الليل، فمن النادر أن تخرج سيدة أو بنت إلى الدرج ليلاً، وحتى الشرطة إذا أرادت ملاحقة شخص من أبناء الحي، فإنها تجد صعوبة، لأن أولاد الحي يعرفونه أكثر من غيرهم، وبمقدورهم التحرك من موقع لآخر بسهولة بعكس “الغشيم بالحي”.

– الغد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى