مقالات

محاذير النمو الاقتصادي

شارك هذا الموضوع:

محمد عاكف الزعبي

لا تكاد تجد اثنين يختلفان على ضرورة حفز النمو الاقتصادي. مطالبات الاقتصاديين باجراءات تعيد الزخم الى عجلة الاقتصاد لم تتوقف منذ سنوات. والاصوات الداعية الى زيادة الانفاق الحكومي، وترك النمو الاقتصادي يعالج أزمة الحكومة المالية، اخذة في التصاعد.
دعوات حفز النشاط الاقتصادي ومطالبات الحكومة بزيادة انفاقها، تنظر إلى ايجابيات النمو فقط من دون الالتفات ابدا إلى سلبياته ومحاذيره. بل ان الغالبية لا تعي هذه المحاذير اصلا.
عدم الوعي هذا يعود باعتقادي إلى عدم ادراك للعلاقة بين النمو الاقتصادي والحساب الجاري.
فالنمو الاقتصادي المدفوع في الانفاق هو ذلك النمو الذي يستهدف زيادة مستوى الطلب الاجمالي داخل الاقتصاد. وارتفاع الطلب الاجمالي يعني ارتفاع الطلب على المستوردات. وزيادة المستوردات تعني عجزا اكبر في الميزان التجاري، وبالتالي، الحساب الجاري، وهذا بدوره يعني ضغطا أكبر على الاحتياطيات الاجنبية.
هذه العلاقة السلبية بين النمو والاحتياطيات الاجنبية تزداد قوة كلما ازداد الميل الحدي للاستيراد داخل الاقتصاد. وهذا الاخير يمثل نسبة الانفاق على السلع والخدمات المستوردة من اجمالي الانفاق. فكلما ارتفعت هذه النسبة كلما تسبب الانفاق باتساع اكبر في عجز الحساب الجاري وتآكل اكبر في الاحتياطيات الاجنبية.
في الأردن، لا يوجد رقم رسمي للميل الحدي للاستيراد، لكننا لسنا بحاجة الى اية ارقام لمعرفة ان هذه النسبة مرتفعة جدا. فاغلب البضائع والسلع في الاسواق مستوردة، وصناعاتنا محدودة لا تغطي الا شيئا بسيطا من استهلاكنا.
وهذا معناه ان اي زيادة في الانفاق الحكومي سوف تتسبب باتساع الشرخ في الحساب الجاري وتراجع الاحتياطيات الاجنبية.
ليس هذا فحسب، بل ان الميل الحدي المرتفع للاستيراد يضعف من فعالية الانفاق الحكومي كاداة لحفز الاقتصاد، لان خروج النقد خارج حدود الاقتصاد (لشراء المستوردات) يقلل من معدل دوران النقد داخل الاقتصاد، ويضعف من أثر المضاعف المالي.
الإجراءات التقشفية التي تقوم الحكومات بتنفيذها تحت اشراف صندوق النقد الدولي، لا تخدم المالية العامة فحسب، بل تخدم الحساب الجاري والاحتياطيات الاجنبية ايضا! وأية مطالبات للحكومة لانعاش الاقتصاد أو التخفيف من حدة سياساتها التقشفية يجب ان تأخذ بعين الاعتبار وضع الحساب الجاري والاحتياطيات الاجنبية والواقع التصديري.
ليس المقصود هنا هو ان لا نسعى لتحقيق النمو الاقتصادي. طبعا لا. بل المطلوب هو ان نفكر بالاحتياطيات الاجنبية كمحدد رئيسي لقدرة الاقتصاد على النمو.

– الغد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى