مقالات

مفارقة التكنولوجيا المتقدمة

شارك هذا الموضوع:

هاشتاق عربي – ترجمة : ينال أبو زينة

تعتبر التكنولوجيا أساس السلطة الوطنية ؛ واستخدامها واضح المعالم إلى حد كبير لكن السير من الإبتكار إلى إحراز التقدم يبدو وأنه أقل وضوحاً.
وغالباً ما تأتي التكنولوجيات التي تحدد حقبة معينة من قوة جياسية عظمى فقد ساعدت الهندسة الرومانية، على سبيل المثال، في تشكيل عالم البحر الأبيض المتوسط وأفرزت التكنولوجيا البريطانية وأدامت الثورة الصناعية.
وكان باستطاعة هاتين الامبراطوريتين امتصاص تكلفة الابتكار بسبب امتلاكها ما يكفي من الأموال للقيام بذلك.
وفي ضوء أن المراد من التكنولوجيا هو تعزيز السلطة، فقد ابتكرت حتى الحميدة منها لأغراض عسكرية.
أصول “الآيفون”
خذ باعتبارك جهاز “الآيفون”، إبتكار شركة “أبل” للعبقري الراحل ستيف جوبس، المعروف بأنه جهاز مفيد وغير مؤذٍ بطبيعته أو هذا ما يبدو عليه على الأقل.
ويتمحور “الآيفون”، كغيره من الأجهزة الإلكترونية في يومنا هذا، حول المعالج.
وجاء هذا المعالج كثمرة لجهود مجموعة متنوعة من العلماء والمهندسين الذين رعتهم الحكومة الأميركية، والتي كانت تحتاج في وقت ما إلى كمبيوتر خفيف الوزن للتحكم بالصواريخ والطائرات، وغيرها من الأنظمة الأخرى.
وسرعان ما وجدت هذه التكنولوجيا مكان لها في استخدامات طائرات الـ”إف-16” الحربية، والصواريخ البلاستيكية العابرة للقارات، وصواريخ الغواصات النووية.
وبالعودة سريعا إلى العام 1985 ساعدت شركة “جينيرال داينامكس”، المعروفة آن ذاك باسم “جي تي إي”، الجيش الأميركي في تشكيل شبكة متقدمة لجهاز تم إبتكاره قبل 12 عاما من ذلك الوقت.
وكان هذا الجهاز هو الهاتف النقال، والذي تم استخدامه لأول مرة في عملية “عاصفة الصحراء”.
وكان الجيش يحتاج آن ذاك إلى وسيلة اتصال لاسلكية يمكن الاعتماد عليها وتوظيفها بكل سهولة، ومن هنا برز الهاتف النقال كالجهاز الأفضل لهذه العملية.
وعلى صعيد متصل، تم تطوير إكسسوارات “الآيفون” وإضافاته لأغراض مماثلة وطورت فكرة التصوير الرقمي أساساً على يد “مكتب الاستطلاع الوطني”، والذي كان يحتاج إلى طريقة أفضل لإنتاج الصور الملتقطة على يد أقماره الصناعية. (يحتاج التصوير الكيميائي إلى تطوير، وقد عنى ذلك أن القمر الصناعي ينتج الفيلم المصور لتلتقطه طائرات تحلق في السماء إثر ذلك).
ومن هذ ا المنطلق، طور مكتب الاستطلاع الوطني كاميرا يمكنها بث الصور إلى الأرض مباشرة.
وتتواجد الكاميرات التابعة لهذه التكنولوجيا، المستخدمة كأداة للتجسس أساسا، في أجهزة “الآيفون”.
وللخرائط وخدمات تحديد الموقع –المستخدمة يوميا على أجهزة “الآيفون”- أسلافها من التكنولوجيات السابقة.
وقد أبتكرت أجهزة تحديد الموقع أساسا لقيادة الأنظمة والمركبات العسكرية إلى وجهاتها بشكل دقيق، لا لخدمة رحلات “أوبر”.
وتدار الأقمار الصناعة التي تجعل من تحديد الموقع أمرا ممكنا، حتى تلك المستخدمة اليوم، على يد القوات الجوية الأميركية.
ومن ثم هناك “الإنترنت”، المتواجد دائما بمتناول أيدينا حرفيا وقد تم تطوير هذا الاختراع العظيم على يد وكالة مشاريع البحوث المتقدمة، المعروفة بشكل شائع باختصار “داربا”.
وفي الوقت نفسه، تحوي الأجيال الأخيرة من “الآيفون” ميزة التعرف على الصوت وكانت سيري، كما نعرفها نحن، أساسا مشروعا مولته “داربا” لـ”سري الدولية”، مؤسسة بحث أميركية.
التكنولوجيا الناضجة، وتلك التي عفى عليها الزمان هناك بعض النقاط التي تتبع هنا.
أولها، وأكثرها وضوحا، تتمحور حول “الآيفون” (أيقونة الإبتكار) لاسيما وأنه يأتي من مركب تكنولوجي قديم؛ “سيري” هي الوحيدة المصممة خلال هذا القرن.
ويحسب لمصلحة “أبل” أنها حدثت هذه التكنولوجيات، وصهرتها في منصة واحدة، وحولت هذه المنصة إلى حزمة عبقرية ومنتج مسوق جيدا.
ومع ذلك، فإن ما تسمى “بالتكنولوجيا المتقدمة” لا تتعدى في كثير من الأحيان كونها إبتكارات قديمة جرى تحديثها من أجل الاستخدام الحديث إنها “تطور” لكنها ليست “ثورة” بحد ذاتها.
ثانياً، الجيش هو مصدر الإبتكار الرئيسي في مجتمعنا وكانت الـ50 سنة –أو ما إلى ذلك- من الحرب الباردة التي قامت، على سبيل المثال، ذروة النمو التكنولوجي.
وتطلبت التكنولوجيا التي تمس الحاجة إليها في دعم الحرب العالمية –في الفضاء والسماء والبحر وتحت البحر، وعلى الأرض- إبداعاً غير مقيد.
وفي هذا الصدد، كانت للولايات المتحدة، بمصادرها الاختبارية والمالية، الغلبة في ذلك.
ولكن الجماهير غير واعية، أو غير مبالية، بحقيقة أن الكثير من التكنولوجيا التي نعتبرها الآن سلمية صممت أساسا للسماح للولايات المتحدة الأميركية لشن حروب عالمية نووية.
وثالثاً، فقد تم تذكيرنا ليس فقط بعصر التكنولوجيات بل بنضوجها أيضاً. ويختلف النضوج عن التقدم كثيرا.
ولا يمكن إعتبار المعالج، في ضوء ذلك، حافة تغيير حديثة –فقد تم استخدامه عملياً قبل العام 1970.
ولكن لا يمكن اعتبار أي هذه التكنولوجيات عتيقة – فما تزال تستخدم على نطاق واسع.
وقد أصبحت أساس المجتمع حتى لو أنها لم تعد إبتكارية بشكل صارخ.
ويمكن قول الشيء نفسه عن المركبات ومحركات الاحتراق الداخلية.
وكانت مفيدة بشكل واضح وتباع لأكثر من قرن، لكن الإبتكارات الأساسية كانت في 1970، وأصبحت الصناعة تتعلق أكثر وأكثر بالتسويق منذ ذلك الحين.
وللمعالج مستقبل باهر، لكنه أيام بطولته ولت منذ زمن.
وتتبع الإبتكارات الأعظم هذا النمط الفضفاض: مجموعة من العلماء يخلقون احتماليات تتطور لاحقاً لخدمة الجيش قبل أن تباع إلى المستهلكين في الأسواق.
وعلى الحكومة أن تتكفل ببحث مسألة أن الأجيال الحديثة من التكنولوجيا مطلوبة لرفع الإنتاجية.
وفي حال واصل النموذج الموجود منذ الحرب العالمية الثانية أو ما قبلها، سوف يستفيد جيل آخر من الشركات الناشئة من البحث والتطوير العسكري، ويوظفها، ومن ثم يعبر صارخا عن مدى كراهيته لتدخل الحكومة بأعماله.
وبيع المنتجات أمر في غاية الأهمية حقيقة، ولكننا نحتاج إلى فهم الدور الذي تلعبه الحرب في المنتجات الإستهلاكية.
وبالنسبة لدعاة المحبة الذين يعشقون التكنولوجيا، ومناصري الحريات الذي يحبذونها بنفس القدر تقريبا، هناك عنصر مفارقة بارز في هذه القضية.

“مولدن إيكونوميكس، جورج فريدمان” نقلا عن الغد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى