مقالات

اقتصاد ما بعد “داعش”

شارك هذا الموضوع:

د. خالد واصف الوزني

لا شك أن الإعلان عن تحرير الموصل من براثن الجماعات الإرهابية هو من أهم الأخبار التي يجب أن تستقبلها المنطقة بفرح وحذر في آن واحد، فمن ناحية تم بشكل أساسي القضاء، بشكل كبير، على موئلٍ لفكر متطرف وعلى جماعة موهومة يسميها البعض بالأصولية، وهي بعيدة كل البعد عن أصول الدين أو الثقافة، فأصول وأعمدة الأديان جميعها دون استثناء تتمثل في السماحة والعدل والمحبة والإحسان والسلام.
ولعل الفرح يتأتى من الخلاص من فكرٍ جاء غريبا، ولكنه أراد أن يستوطن في المنطقة حتى يخلق مجموعة من الأتباع الذين قد يجعلون أصولاً لمنبته في المنطقة فيلتصق بها وبالدين الإسلامي الذي يسود المنطقة، في حين أنه بعيدٌ بل بريءٌ تماما من أمثال أو اتباع هذه الأفكار الشيطانية الناشئة البعيدة عن الأصولية وعن أصل الدين.
أما الحذر من تفتيت كيان هذه المجموعات الضالة فيتمثل في عودتها للعمل من تحت الأرض ومن خلال الذئاب المنفردة، ومن القدرة على تحمل الأعباء المالية للتعامل مع ذلك الأمر.
وبعيداً عن المعطيات السياسية والثقافية والدينية في هذه القضية، فإن البعد الاقتصادي أو المالي لا يقل بأي شكل من الأشكال عن الأهمية التي يجب أن تعطى لكافة أوجه التعامل مع ما تركه تكوين الخوارج في المنطقة من دمار تراثي ومدني وإنساني وحضاري.
بيد أن التعامل مع المحور الاقتصادي ينطوي على أمرين؛ الأول يتعلق بالمغارم الكبرى التي فرضها اختطاف الموصل وأجزاء أخرى من العراق وسورية وليبيا واليمن، والثاني يحدد مجموعة من المغانم التي نتجت عن التعامل مع ذلك الفعل برغم جرميته وفظاعته.
وفي جانب الكلف والمغارم، فإن التقديرات الأولية تشير إلى الحاجة إلى ما يزيد على 30 مليار دولار لإعادة إعمار الموصل نتيجة التدمير الذي لحق بها بفعل احتلال الدواعش وبفعل الخلاص منهم.
أما إذا ما أضفنا إلى المعادلة كلف الدواعش وغيرهم من الجماعات الخارجة عن الأديان جميعها في أماكن متعددة فإن الفاتورة الكلية للإرهاب في المنطقة من ليبيا حتى العراق، مرورا بسورية ومصر واليمن وغيرها من الحوادث الإجرامية الفردية في العديد من دول المنطقة في السعودية والأردن ولبنان وغيرها، ضخمة للغاية.
فقد أشارت بعض الدراسات إلى أن الاقتصاد العالمي تكلف نحو 13.6 تريليون دولار نتيجة الإرهاب، وخاصة في ذلك المتأتي من منطقتنا، وبالضرورة فإن نصيب المنطقة من تلك الكلف يكاد يكون الأعظم وهو في تقديري لا يقل عن نصف ذلك المبلغ أي ما قد يتجاوز حسب أبسط التقديرات 7 تريليونات دولار أميركي، بما في ذلك من كلف مباشرة مثل الهدم والتدمير وكلف غير مباشرة مثل تهريب النفط وبيعه في الأسواق السوداء والاستيلاء على العديد من المرافق وبيع البشر والسبي وغيرها.
أما إذا ما انتقلنا إلى المغانم القادمة فلعلها تتمثل في عمليات إعادة الإعمار التي ستشهدها المنطقة في العراق ومن ثم في سورية وبعد ذلك في ليبيا وأخيرا وليس آخرا في اليمن. إن هذه العمليات ستولد العديد من فرص العمل وستجذب العديد من الاستثمارات وستحرك الاقتصادات الناشئة في المنطقة وخاصة في الأردن ولبنان، كما ستفتح المجال أمام المدن اللوجستية في المنطقة مثل دبي وجدة والعقبة وطرطوس للاستفادة بشكل كبير من المتطلبات اللوجستية القادمة. يبقى القول أن الخلاص من داعش ومن أتباعهم من الخوارج يتطلب عملا مستمرا لتنظيف المنطقة من تبعاتهم التدميرية على الثقافة والحضارة والروح المدنية، كما يستدعي الاستعداد بشكلٍ كبيرٍ والحذر بشكلٍ أكبر من جيوب اتباعهم ومخلفاتهم الموبوءة، أما على النسق الاقتصادي فإن على الدول الواعية في المنطقة أن تشكل اليوم فرق عمل للاستعداد وقطف ثمار التحرير وإعادة الإعمار، العديد من دول أوروبا كذلك روسيا والصين وحتى تركيا بدأت تُجهز، على المستوى الرسمي وعلى مستوى القطاع الخاص ووفق لجان وخلايا عمل مشتركة، لإعادة الإعمار وللاستفادة منه بشكل كبير، وأتمنى على صانع القرار في الدول العربية وخاصة المجاورة منها، وتحديدا الأردن، أن يبدأ اليوم بالتخطيط والاعداد والتواصل مع الدول المختلفة للحصول على جزء من المغانم بعد أن كان الأكثر تأثرا بالمغارم على مدى السنوات الخمس الماضية على الأقل.

– الغد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى