مسؤولية اجتماعية

عفانة: الحياة هندسة ومعادلات صارمة ولا مكان للحظ أو للصدف

شارك هذا الموضوع:

هاشتاق عربي

وصلت قبل الموعد بربع ساعة، استقبلني المهندس إبراهيم عفانة، في مكتبه الهندسي بجبل الحسين، وهو صاحب مكتب تصميم وإشراف هندسي وشركة إسكانات، وكانت أول جملة تفوه بها عند حديثه هي:”رأس مال المهندس عقله… هو لايبيع أوراق اليانصيب”، أعجبتني الفكرة، قلت في عقلي هندسة وفلسفة!!، سألته: ما الفرق؟، قال: “عقل المهندس يستند إلى أسس علمية ومنهجية ودقة، ولايمنح الحظ أية فرصة، وليس للصدفة مكان.. نسير وفق معادلات صارمة”.

سألته: هل كل شيء خططت له سار على مايرام وبشكل صارم؟، قال:”عندما تخطط و”تهندس” لأي شيء يكون هامش الخطأ محدودا، ومحدودا جدا”.

بدا لي المهندس عفانة منظما إلى درجة متناهية، دقيق إلى درجة لا يتفوه بكلمة إلا مستشهدا بورقة في هذا الملف أو ذاك، يعيد قراءة الملف والتاريخ والاسم والختم، الذي بالكاد يُرى.

قال: “بدأت من الصفر، لم استند إلى إرث عائلي، فلم يكن لدى عائلتي أية إمكانيات لمساعدتي ولم اتكئ على واسطة تنتشلني بعدما تخرجت من الجامعة العام 1983، عندما ذكر تاريخ التخرج عاد إلى أوراقه وتأكد من العام”.

وأضاف بعدئذ التحقت بخدمة العلم الإلزامية كمهندس في الدفاع المدني؛ حيث أسسنا مشروع محطة الإنذار المبكر، وبعد تلك المرحلة العسكرية القصيرة عملت في وظائف بسيطة في القطاع الخاص، وعملت في إحدى الشركات لمدة أقل من عام. “ثم مالبث ان تسنى لي أن افتتح مكتبا هندسيا بالشراكة مع احد المهندسين وكنت لا أملك سوى 700 دينار، وقام شريكي بدفع 700 دينار ايضا، كما استدنت نحو 500 دينار، لأبدأ العمل في المؤسسة التي أسميناها شركة عفانة والسيد للاستشارات الهندسية منذ العام 1987 وحتى اللحظة، الشراكة لم تدم طويلا؛ حيث حصل شريكي على عقد عمل مغر في السعودية وسافر إليها”.

أطرق عفانة في المكتب، وقال: “ثلاثون عاما مرت وكأنها الآن، مازالت حاضرة في ذاكرتي”، وقال لي: “أنت أعدتني إلى زمن لم أكن أحسب كم مضى عليه، مرت 30 سنة وأنا في هذا المكان، وخلف هذا المكتب وعلى هذا الكرسي، “جرت في النهر مياه كثيرة”، وتغيرت أشياء كثيرة”.

عندما قال لي المهندس عفانة تلك الكلمات: “أحسست أنني اقتحمت مكتبه الذي لم يغادره ولا لحظة منذ ثلاثة عقود”، لكن الرجل كان عميق الإدراك بواقع السوق العقاري في المملكة، بل لديه قراءة عميقة عن أسباب ما آل إليه وتداعياته الراهنة.

وأضاف: “عندما عملت في إحدى الشركات بالقطاع الخاص لفترة وجيزة، وضعت نصب عيني أن افتتح مكتبا خاصا بي، وأن لا أعمل عند أحد، ولا انتظر الوظيفة الحكومية التي لم تكن، ومازالت، لاتطعم خبزا”.

وبين عفانة: تزامنت بداية افتتاح المكتب مع طفرة الإعمار أو البناء في عمان، وفي التسعينيات ازدادت طفرة البناء أيضا بسبب عودة آلاف الأردنيين من دول الخليج بسبب الاحتلال العراق لدولة الكويت، كانت تلك المرحلة بداية تحول الأردنيين إلى الشقق السكنية، وهي ثقافة لم تكن سائدة من قبل!.

وقال:”في العام 1996 أسست مع زوجتي المهندسة شركة للإسكان، وكانت البداية بقطعة ارض في الهاشمي الشمالي لم يكن يتجاوز سعرها الـ 8 آلاف دينار؛ حيث قمنا ببناء شقق صغيرة تتراوح مساحتها بين 90 و 100 متر، وقمنا بعد ذلك بعشرات المشاريع الإسكانية، ومن خلال مكتبي الهندسي أشرفت على الآف المشاريع”.

وعن العقبات التي واجهته، يروي عفانة: “في إحدى المرات كنت أود شراء أرض في منطقة الأقصى من أحد الأشخاص، فقمت بسحب المبلغ من البنك، وذهبت إلى دائرة الأراضي في منطقة المحطة، ولكني عندما عدت للسيارة لآخذ المبلغ، وجدت أن نافذة السيارة مكسورة والمبلغ الذي يقدر بـ 23.500 دينار قد سرق، ومع ذلك أكملت مشروعي”.

المهندس عفانة يصف سوق العقار حاليا بـ “الميت سريريا”، عازيا ذلك إلى عدة اسباب من بينها الأزمة الخليجية الراهنة، وزيادة الأعباء الضريبية على المغتربين في السعودية، ما يهدد بعودة الآف الأردنيين المغتربين إلى الأردن، ناهيك عن المعيقات التي تتسبب بها امانة عمان الكبرى للمستثمرين في قطاع الإسكان، مثل قانون الكثافة السكانية، مبينا ان أمانة عمان تسببت بهروب عشرات المستثمرين إلى خارج المملكة، بسبب سياسات الأمانة واجراءاتها التي أقصت وهمشت واضرت من خلالها بالقطاع الخاص في المملكة.

وطالب عفانة أمانة عمان بإعادة النظر بالعديد من القوانين والاجراءات، مطالبا بفتح مناطق جديدة، وطوابق أعلى، وهو ما يمكنه ان يقلل كلف الشقق على المواطنين والشباب، ومطالبا بتمديد إعفاءات الشقق على مساحات أكبر من 120م، ناهيك عن سوق العمالة السوداء، وكلف العمالة الأجنبية، في ظل نقص العمالة الأردنية.

ربما يشخص اللقاء مع المهندس عفانة بعضا من واقع سوق العقار والإسكان، لكنه بالضرورة يلقي الضوء على رجل عصامي، بدأ منذ 30 عاما خطواته الأولى وأصبح من أبرز رجال الأعمال في قطاع الإسكان والإشراف والتصميم الهندسي على مستوى المملكة.

– الغد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى