مقالات

تقنية الاتصالات اللاسلكية الضوئية (Li-Fi)

شارك هذا الموضوع:

هاشتاق عربي – بقلم الدكتور غازي الجبور*

تزداد حاجة الإنسان المعاصر يوماً بعد آخر إلى أن يكون متصلاً بالإنترنت بشكل دائمٍ بجودة وسرعة عاليتين، وتالياً يزداد حجم استهلاكه للبيانات التي تشكّل ضغطاً مستمراً ومتزايداً على شبكات الاتصالات اللاسلكية (Wi-Fi) التقليدية، الأمر الذي يشكّل تحدّياً أمام قدرتها الاستيعابية لهذا الكم الهائل من البيانات المنقولة والمُستقبَلة، مما أظهر الحاجة لتطوير وإيجاد بدائل تكنولوجية جديدة تلبي الحاجات المتزايدة لجودة الاتصالات وحجم البيانات متسارع النمو، وفي مثل هذا السياق ظهرت تقنية الـ (Li-Fi) والتي تسمى أيضاً اتصالات الضوء المرئي (Visible Light communications)بوصفها البديل الأمثل لتقنيات الـ (Wi-Fi) التقليدية.

وخلافا لتقنيات الـ (Wi-Fi) التي تستخدم الأمواج الراديوية، فإنّ تقنية (Li-Fi) تستخدم الجزء المرئي من الطيف الكهرومغناطيسي لبث ونقل البيانات والمعلومات بسرعة عالية جداً، حيث تعمل هذه التقنية على تعديل شدة الضوء حسب المعلومات المُرسلة (streamed Content) والذي يتم استقباله من قِبل أنظمة حساسة للتغيّر في الضوء تسمى المجسّات الضوئية (Photo Detector) والتي تحوّله إلى بيانات رقمية في أنظمة الاستقبال.

وتوفر تقنية (Li-Fi) الكثير من الفوائد والمميزات إذا ما تم مقارنتها مع تقنية (Wi-Fi)، فبداية تُقلّل تقنية الـ(Li-Fi) الضغط على استخدام الترددات التي تعدّ إحدى المصادر النادرة والمحدودة في الطيف الكهرومغناطيسي، ومن ناحية أخرى فإنها أنظمة صديقة للبيئة وتستخدم طاقة أقل بكثير من تقنية(Wi-Fi) ، ومن ثمّ فإنها أقلّ كلفةً بسبب قلة استخدامها للطاقة في العمل، كما أن اعتمادها يعد استغلالاً أمثلَ للضوء كونه موجوداً ومتوفّراً في كل مواقع حياتنا اليومية تقريباً.

وعند نضوج هذه التقنية فإنها سوف تكون قادرةً على تحمّل كمٍ هائلٍ من البيانات والاتصالات أكثر بكثير من أنظمة(Wi-Fi) التقليدية حيث أن سعة الطيف المتوفرة في الضوء المرئي أكبر بعشرة الآف مرة من سعة الطيف الراديوي المتوفرة، كما أنها سوف تمكّن الوصول إلى سرعات أكثر بـ100مرة من سرعات (Wi-Fi) وهناك توقعات بأنها ستعمل بسرعة بث تزيد عن 200 جيجا بايت/ الثانية، كما تبرز إحدى أهمّ مزايا تقنية الـ(Li-Fi) الاقتصادية بكونها لا تتطلّب بنية تحتية مكلفة وضخمة، إذ إنّها تعتمد على الضوء المرئي الذي يغطي تقريبا كلّ المناطق المأهولة في العالم.

ولعلّ أحد أهمّ المزايا التي ستوفرها تقنية الـ (Li-Fi) هي رفع مستوى أمن البيانات إلى حدوده العليا، إذ إنّ اعتماد هذه التقنية على الضوء المرئي يجعل عملية نقل البيانات محصورة في المساحة التي يصلها الضوء، ومن ثمّ فلن يكون بالإمكان تسريب البيانات إلى الخارج، ما سيفوّت الفرصة على قراصنة الإنترنت لاختراق أنظمة تقنية الـ (Li-Fi)، والوصول إلى البيانات الحساسة والمهمة مثلما حصل قبل شهور قليلة حينما شنّ مجموعة من قراصنة الإنترنت هجوما إلكترونيا على عدد كبير من المؤسسات حول العالم، ما تسبب في تشفير بياناتها ومطالبتها بدفع مبالغ مالية ضخمة مقابل استعادتها.

وفضلا عن مثل هذه المزايا فإنّ اعتماد هذه التقنية على الضوء المرئي، وليس على الأمواج الراديوية، سيوفّر إمكانية استخدامها في كثير من المجالات التي يحظر فيها استخدام تقنية الـ (Wi-Fi) ؛ إذ إنّها لا تسبب أي نوع من التشويش على الأنظمة الحساسة للأمواج الراديوية كأنظمة الملاحة، ولا على الأجهزة المستخدمة في المستشفيات وأجهزة تنظيم دقات قلب الإنسان Pacer أو المصانع أو الطائرات وغيرها، ما يعني أنّ بالإمكان استخدام الإنترنت في الطائرات، والمصانع، والمستشفيات، دون قيود بالاعتماد على هذه التقنية، كما أنها ستتيح المجال لاستخدام الإنترنت تحت الماء بكفاءة عالية، إذ من المعروف أنّ أحد أهم خصائص الضوء هو قدرته على النفاذ خلال الماء، في الوقت الذي يحدّ الماء من كفاءة الإنترنت باستخدام تقنية الـ(Wi-Fi).

وإزاء هذه المزايا الهامة التي تتوفّر عليها هذه التقنية التي يتوقّع لها أنّ تنقل تكنولوجيا الاتصال والمعلومات إلى مراحل متقدّمة، فإنّها سوف تسهم على نحو جذري في تحقيق هدف الإنترنت للجميع (Internet for All) بسبب توفّر الإضاءة في كلّ مكان، بما في ذلك المناطق النائية، ما يؤمّن القدرة على توفير الإنترنت بسرعات عالية جدا، لكون شدّة ونوعية الإضاءة متشابهة في هذه المناطق مع المناطق المتقدّمة في العالم، مما سيوفّر نفس السعات والقدرة على التنزيل، وبذلك فستكون خدمات المناطق النائية (USSO) ضرباً من الماضي.

وعلى صعيد آخر، وفي ضوء دخول العالم في الحقبة الزمنية التي أطلق عليها الباحثون اسم الثورة الصناعية الرابعة، والتي يمثّل الذكاء الصناعي، وإنترنت الأشياء عناصر أساسيّة فيها، فإنّ الدراسات تشير إلى أنّ تقنية الـ (Li-Fi) ستكون داعما أساسيّا لهذه التقنيات التي يعتمد نجاحها على كفاءة وسرعة شبكات الإنترنت في تحقيق أهدافها، كما تتوقّع الدراسات الاقتصادية أن تلعب هذه التقنية دورا حيوياً في الاقتصاد العالمي مستقبلا، فحسب دراسة أجرتها شركة Global Market Insight Inc فإنّ عوائد تقنية الـ (Li-Fi) ستجاوز 75 مليار دولار في عام 2023 وبمعدل نمو تراكمي أكثر من 80%، جرّاء وجود كثير من الاستخدامات المتنوعة لهذه التقنية في مختلف المجالات الحيوية.

وعلى الرغم من المزايا الكبيرة التي تتمتّع بها هذه التقنية، فإنّ هنالك عددا من التحديات التي يحاول مطوّرو هذه التقنية تجاوزها، ومن هذه التحديات حقيقة أنّ الضوء لا يمكنه اختراق الجدران، وهذه ميزة إيجابية من جهة ضمانها حماية البيانات، إذ إنها لن تخترق الجدران وسترتد داخل المحيط المحدد، لكنها في المقابل ستحدّ من الاستفادة من الشبكة على نطاق واسع مثلما هو الحال الآن، كما أنّ أحد التحديات يكمن في ضرورة إبقاء الضوء شغالا دون إيقاف لضمان بقاء انتقال البيانات فعالا، وهذه التحديات وسواها لن تمثّل عائقا أمام تطوير هذه التقنية مستقبلا، إذ يتوقع د. هارالد هاس الأستاذ بجامعة إدنبرة، ومخترع تقنية الـ (Li-Fi)، أن يتمّ تطوير هذه التقنية على النحو الامثل في غضون السنوات القليلة القادمة.

وسواء أحلّت هذه التقنية مكان الـ (Wi-Fi) مستقبلا، أم لا، فإنها تنبئ على نحو واضح بحجم التطوّر التقني الكبير الذي يعيشه العالم من حولنا، والذي يفرض علينا مواكبة المستجدات المتسارعة بوعي ومسؤولية كبيرين، ويجعلنا محكومين بمشاركة العالم المتحضّر سعيه الدؤوب نحو المستقبل بكل ما يحمله من فرص وتحديات.

*الرئيس التنفيذي لهيئة تنظيم قطاع الاتصالات

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى