مقالات

مصير الطبقة الوسطى

شارك هذا الموضوع:

*فهد الخيطان

النقاش الذي يدور في البلاد حول الإصلاحات الاقتصادية والسياسات الضريبية يتمحور حول نقطة رئيسية هي كيفية حماية الطبقة الوسطى من نتائج وتداعيات هذه السياسات.

الطبقة الوسطى هي العمود الفقري للمجتمع، ليس لأنها الأعرض اجتماعيا، بل لكونها الأكثر استهلاكا والمحرك الأول للعملية الاقتصادية.

كانت آخر مناسبة توقفت فيها الدراسات عند وضع الطبقة الوسطى في الأردن، البحث المعمق الذي أجراه المجلس الاقتصادي الاجتماعي إبان رئاسة الوزير عبدالإله الخطيب، وأشرف عليه الوزير السابق إبراهيم سيف.

الدراسة مضى عليها وقت طويل، وخلال هذه المدة حدثت متغيرات كبيرة أثرت بشكل كبير على مكانة الطبقة الوسطى وتركيبتها وظروفها الاقتصادية.

بعض المتغيرات تعد طبيعية كصعود فئات محسوبة على”الوسطى” إلى”العليا”، وهبوط أخرى إلى الطبقة الفقيرة. في الحالة الأولى أغلب الصاعدين هم من المنتمين إلى القطاع الخاص، وفي الثانية من أوساط موظفي القطاع العام.

لكن المتغير الذي يحتاج لدراسة معمقة في هذا الوقت مقدار الزيادة في نفقات وتكاليف المعيشة على فئات الطبقة الوسطى، وليس الزيادة في مداخيلها فقط، أو بمعنى أخر فجوة التكاليف والمداخيل.

الأرجح -وهذه مجرد فرضية- أن مشكلة الطبقة الوسطى هي في ارتفاع كلف الوفاء بمتطلبات الحياة الموصوفة للطبقة الوسطى؛ كلف التعليم النوعي، السكن المناسب والرفاهية.

الخدمات الصحية لا تعد إشكالية كبرى لفئات الطبقة الوسطى، فهم في الغالب يحظون بتأمين صحي جيد في القطاع الخاص، لا يرتب نفقات كبيرة عليهم.

في تجارب الإصلاح الاقتصادي على المستوى العالمي، هناك قصص نجاح مشهودة في قدرة الحكومات على احتواء التداعيات السلبية على الفئات الفقيرة. برامج الدعم والرعاية والمساعدة المادية مكنت الفقراء من التكيف مع صعوبات الحياة. لكن القليل من الدول اجتاز بنجاح اختبار الطبقة الوسطى. ولهذا شهدنا في العديد من الدول الأوروبية والآسيوية حركات احتجاج اجتماعي تقودها قوى محسوبة على الطبقة الوسطى؛ أنشط سياسيا والأكثر تضررا على المستوى المعيشي. فالإصلاحات في العموم استهدفت مكتسبات هذه الطبقة؛ التأمينات الاجتماعية والتقاعدية في القطاع العام، وتسريح الموظفين وتخفيض رواتبهم في القطاع الخاص.

الطبقة الوسطى الأردنية تشكلت أساسا في القطاع العام، ثم توسعت لاحقا وتطورت مع نمو دور القطاع الخاص وتنوع النشاط الاقتصادي. في المرحلتين احتفظت بميزات تنافسية وقدرة على التكيف، لكن موجة الإصلاحات “النيوليبرالية” في العقد الماضي أضعفت قدرتها تماما ووضعتها في اختبار يفوق إمكانياتها المادية، خصوصا مع تراجع النمو الاقتصادي والاضطرابات الأمنية في الإقليم والتي قتلت فرص المنافسة والارتقاء، وكان الأردن من بين أكثر المتضررين من تداعياتها.

إذا كانت الحكومة جادة فعلا بحماية مكتسبات الطبقة الوسطى، والمحافظة على ما تبقى من قدراتها، فإن الواجب يقتضي إجراء دراسة معمقة لواقعها الحالي قبل الإقدام على تعديل السياسات الضريبية، ومقاربة التعديلات بما يخدم فرص نمو هذه الطبقة واستقرارها كداعم رئيسي للنمو الاقتصادي، وضابط إيقاع لحركة المجتمع، ومصدر الحصانة للأمن الوطني.

*الغد

_

يمتلك مبيضين خبرة تقارب الـ 10 اعوام في مجال العمل الصحافي، ويعمل حاليا، سكرتير تحرير ميداني في صحيفة الغد اليومية، وصحافيا متخصصا في تغطية أخبار قطاع الإتصالات وتكنولوجيا المعلومات، الملكية الفكرية، الريادة، والمسؤولية الإجتماعية. ويحمل مبيضين شهادة البكالوريوس من جامعة مؤتة – تخصّص ” إدارة الأعمال”، كما يعمل في تقديم إستشارات إعلامية حول أحداث وأخبار قطاع الإتصالات وتكنولوجيا المعلومات الأردني. Tel: +962 79 6542307

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى