اقتصاد

كيف نتحكم في رغبتنا المندفعة نحو الشراء؟

شارك هذا الموضوع:

هاشتاق عربي

لا يتسوق أكثر الناس كما تفعل “زينة كوموك”، التي تبلغ من العمر 26 عاما، والمتخصصة في مجال الاتصالات، وهي تقيم في مدينة انديانا بولس الأمريكية.
قبل أن تشتري أي شيء، تسأل كوموك نفسها عدة أسئلة، مثل: “هل أحتاج إليه؟”، و “هل سينفعني على المدى الطويل؟”
كانت كوموك مبذّرة تماماً، حيث أنفقت ذات مرة كل ميزانيتها عندما اشترت أشياء مخفّضة، لكنها لم تكن بحاجة إليها، كما أسرفت كثيراً بتناولها العشاء في العديد من المطاعم. ومع أنها لم تتجاوز الحدود القصوى للإنفاق باستعمال بطاقات الائتمان، أو تُغرق نفسها في الديون، تجاوزت نفقاتها حدود إمكانياتها.
لكنها الآن أصبحت لديها قائمة بالمواد التي يجب عليها ألّا تشتريها بتاتاً، بما فيها الكتب والكراريس والأدوات المكتبية – وهي ثلاثة فئات لا تحتاج إليها بعد أن كانت مولعة بإنفاق الأموال لاقتنائها، بما كان يضرّ بحسابها البنكي.
كان الجزء الأكبر للمشكلة يكمن في نزوة الاندفاع نحو الشراء.
على سبيل المثال، عندما انتقلت “كوموك” للعيش في لندن لمدة عام، اشترت كل دليل موجود عن ذلك البلد، حتى تلك المختصة بأشياء عن الحب، مثل دليل العشاق في لندن، وكتيبات غامضة لارشادات عن مناطق خاصة في المدينة. لم تكن كوموك قادرة على مقاومة رغبتها تلك في الشراء.
قالت ضاحكةً: “هذا هو عقلنا. من السهل صرف 10 دولارات هنا و20 هناك، لكن بمجموعها تصبح كثيرة”.
تمتلك “كوموك” الآن مدوّنة خاصة بها على الإنترنت تحمل اسم “Debt Free After Three”. لم تقرأ أيّاً من كتيبات لندن التي اشترتها، وقد اضطرت إلى دفع 150 دولاراً لقاء تكاليف الحمولة الإضافية كي تنقلها إلى الوطن.
يُعتبر الشراء باندفاع مشكلة كبرى لدى العديد من الأشخاص. كمثال لذلك، أجرى بنك مونتريال استطلاعا للرأي عام 2012، أظهر أن الكنديين يصرفون، في المتوسط، 3.720 دولاراً كندياً (2.987 دولاراً أمريكياً) كل عام لإشباع رغبتهم الشرائية المندفعة.
وقد توصل استطلاع آخر أجراه موقع “كريدت كارد” إلى أن 75 في المئة من الأمريكيين اشتروا باندفاع لتلبية تلك الرغبة، و10 في المئة منهم انفقوا أكثر من ألف دولار دفعة واحدة.
كما توصلت دراسة أجرتها مؤسسة “نيلسن” العام الفائت، إلى أن تلك الرغبة الغريزية للشراء دفعت 53 في المئة من سكان تايلاند، و48 في المئة من الهنود، و44 في المئة من الصينيين إلى شراء أشياء لم يكونوا بحاجة إليها.
لماذا يصبح الناس عرضة لاتخاذ قرارات مالية فورية تضرّ في الغالب بحساباتهم البنكية؟ وكيف يمكن لك أن تقاوم الرغبة في ذلك؟

عامل الندرة
يقول “رايان هاويل”، أستاذ علم النفس في جامعة سان فرانسيسكو بولاية كاليفورنيا في الولايات المتحدة الأمريكية، إن الباعث التي يدفعنا للشراء يعد، جزئياً، غريزة للبقاء.
ففي الأزمنة الغابرة، كان الناس يصطادون ويخزنون الأغذية. وعندما كان الناس في تلك الأيام البعيدة يرون شيئاً يريدونه، كانوا يستولون عليه حتى وإن لم يحتاجوا إليه، لأنهم على الأرجح كانوا يعتقدون أنهم لن يجدوه مرة أخرى.
يقول “هاويل”: “إذا ما رأيت شيئاً لا يوجد منه إلا القليل، فإنك ستجتهد لتحصل عليه.”
في أيامنا هذه، ليست ندرة الأشياء هي المشكلة –إذ نستطيع أن نشتري تقريباً أي شيء نريده إذا كانت لدينا الإمكانية لذلك- لكننا غالباً لا نزال نتعامل مع أمورنا الحياتية كما فعل أجدادنا الأوائل، وخاصة عندما يتعلق الأمر بالتخفيضات.
فعندما نرى شيئا يعرض بسعر مخفض بنسبة 50 في المئة مثلا، فإن ذلك الباعث الغريزي يلعب دوره، كما يقول “هاويل”. الإحساس الذي يراودنا هو أنه ما لم نشترِ تلك الأشياء الآن، فإنها ستختفي إلى الأبد – أو على الأقل لن تكون بذلك السعر الجيد مرة أخرى.
هناك سبب آخر يدفع الناس إلى شراء الأشياء بمجرد الشعور بالرغبة فيها، وهو أن ذلك يجعلهم يشعرون بأنهم أفضل حالا.
فقد توصل “سكوت ريك”، الأستاذ المساعد في التسويق بجامعة ميتشيغان الأمريكية إلى أن فكرة العلاج بالتسوق أمر حقيقي. فبالنسبة لبعض الناس إذا ما انتابهم الحزن، فإن التسوق سيجعلهم أكثر سعادة لأنهم يسترجعون بذلك الشعور بالسيطرة على حياتهم.
ما يساعد الناس على إحساسهم بأنهم مسيطرون هو الخيار المتاح أمامهم لاتخاذ قرار بشراء شيء ما من عدمه.
رغم ذلك، فالخيارات صعبة، وينبغي للنتائج أن تكون جيدة. يقول ريك: “تلك هي عادةً الخيارات التي ترسم معالم رحلة تسوّق ما. لذا، يمكن للعلاج بالتسوق أن يفيد بأشكال معينة. فنحن نحصل على متعة ما من عملية الاستهلاك، ويشير بحثي إلى إمكانية الاستفادة منها بالفعل.”
من الطبيعي أن ذلك النوع من “العلاج” قد يكلف أكثر بكثير من أنواع أخرى من أنشطة إعادة السيطرة على الذات. ويرى “ريك” أن أنشطة من قبيل إعادة ترتيب مكتبة المنزل أو فرز الملابس للتبرع ببعضها إلى جمعية خيرية يمكنها أيضاً أن تجعل البعض يشعرون بمتعة في حياتهم.
كما دققت بعض الأبحاث بإمعان في كيفية تأثير اللمس على قراراتنا المالية. ففي عام 2003، أصدر مكتب المدعي العام في ولاية إيلنوي الأمريكية بياناً قبل حلول أعياد الميلاد ورأس السنة الجديدة، وقد شمل تحذيراً للمستهلكين بعدم لمس الأشياء (المعروضة في المتاجر) لأن ذلك قد يشجعهم على شرائها.
لعل ذلك كان إعلاناً غريباً من إعلانات الخدمة العامة، لكن الأبحاث تشير إلى أن لمس تلك الأشياء يزيد من بالشعور بالرغبة في امتلاكها – ونحن لا نود أن نفقد الأشياء التي نمتلكها، كما يقول “ريك”.
ويضيف، إنك عندما تلمس شيئاً ما، تصبح “شبه مالكٍ” لذلك الشيء. هنا يبدأ مفعول نفورنا من فقدان الشيء – وتقول النظرية إن الناس لا يتحملون فقدان المال أو الحاجيات- ويصبح من الصعب صرف ذلك عن الذهن، بغضّ النظر عما إذا كنت تحتاج إلى ذلك الشيء أم لا، أو لديك الإمكانية لشرائه.
يفسّر هذا جزئياً السبب في سيطرة رغبة ما علينا لاقتناء تلك السيارة التي جرّبنا قيادتها، أو في أن شعورا مدمرا ينتابنا عندما نفقد منزلاً في مزايدة علنية.
في اللحظة التي نجلس فيها خلف مقود سيارة ما، أو نسير في فناء منزل ما، غالباً ما ينتابنا شعور بأننا نريد أن نتملك مثل هذه الأشياء.
لكننا لا نسلّم فوراً بطاقاتنا الائتمانية لنحصل على مفاتيح تلك السيارة أو المنزل، إذ توجد الكثير من الإجراءات التي يجب أن تُكتمل لإنجاز شراء سيارة أو منزل ما، فليس الأمر مثل شراء لعبة أو سروال.
في الحالة الأولى، يوجد فاصل زمني ضمنياً ما بين اللحظة التي نريد فيها شيئاً ووقت شرائه، كما يعتقد “هاويل”، والذي يضيف: “يستغرق الأمر ما بين التفكير في شراء منزل وتنفيذ ذلك وقتا وجهدا كبيرين.”
ومع ذلك، لم نزل نتخذ قرارات سيئة أثناء منافسات المزايدة مثلا. وما يدعو للدهشة هو سهولة اتخاذنا قراراً بصرف 5.000 دولار إضافي للحصول على منزل، حتى وإن تجاوز سعره المبلغ الذي حددناه له. فما هو الأمر المقلق في هذا؟ إنه الغريزة المرتبطة بنقص ذلك الشيء مرة أخرى. إن لم نحصل على هذا المنزل، فقد لا نجد مثله ثانيةً، كما نظن.
يقول “هاويل”: “في منافسات المزايدة، تكون هناك متغيرات فسيولوجية كثيرة تؤثر في الأمر.” بما في ذلك مشاعر البهجة والانفعال المتعلقة بعملية المزايدة والظفر بالشيء.
في نهاية المطاف، يعود اتخاذ قراراتنا الفورية السلبية في المسائل المالية إلى أمر واحد، وهو أننا لا نأخذ وقتا كافيا للتفكير في الأمر. اذا أُجريت عملية المزايدة خلال أيام أو أسابيع، بدلاً من دقائق أو ساعات، فإنه من غير المحتمل أن تواصل المزايدة على سعر ذلك المنزل، حسب رأي “هاويل”.
قاوم الرغبة
هل تستطيع مقاومة نزواتك الطبيعية؟ مع قليل من ضبط النفس، يمكنك ذلك. ويوصي “هاويل” بالانتظار لمدة 24 ساعة قبل اتخاذ أي قرار غريزي بالشراء، سواء كان القرار كبيراً أم صغيراً. ومن الطبيعي أن يعني ذلك حاجتك لأن تفهم وتدرك الوقت الذي يحدث فيه إغرائك.

إذا ما كنت لا تزال تريد الشيء في اليوم التالي، فما عليك إلا أن تشتريه إذا كانت لديك الإمكانية لذلك. ولكنك على الأرجح ستنسى الأمر أو أن شعورك القوي بامتلاكه سيكون قد تبدد.
الأمر البارع الآخر الذي يمكنك القيام به هو البدء في تدوين ما تنفقه من أموال نقدية. إذا ما استطعت أن تحدد ما يمكنك التغاضي عنه، فسوف ينتهي بك المطاف على الأرجح إلى أن تشتري فقط الأشياء التي تحتاجها بحق.
إن تعمد مراجعة قائمة المشتريات واستبعاد فئات معينة من تلك القائمة، جملة وتفصيلاً، قد أتى أُكُله بالنسبة لـ”كوموك”.
فعند مراجعة الأسئلة التي وضعتها، تقوم بتأخير اتخاذ قرار الشراء، وتفكر مليّاً فيما إذا كانت تحتاج لهذا الشيء أو ذاك بالفعل.
لم تعد “كوموك” تشتري أي كتاب في هذه الأيام. وبدلاً من ذلك، تتحقق من إمكانية الحصول عليه من المكتبة العامة، فتشتري فقط المجلدات التي ترغب حقاً في امتلاكها إلى الأبد.
وبالطبع، لم تختفِ نزعة الشراء لديها تماماً. فقبل بضعة أسابيع تجولت “كوموك” في متجر ورأت صندوق شيكولاته وعليه ورقة سعر صفراء. ظنت حينها أن ذلك يعني أنه يباع بسعر مخفض، فانتابها فوراً شعور مألوف بـ “الشراء فوراً”.
لكن عندما اقتربت أكثر من الصندوق، رأت أنه لم يكن سعراً مخفضاً على أية حال. فهل كانت ستشتري تلك الشيكولاته لو كانت مخفّضة الثمن؟ يحتمل ذلك، حسب قولها.
تقول “كوموك”: “تلك القطع الورقية الصغيرة (للأسعار) تثير حقاً الجنون والهوس في عقول وأذهان الناس.”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى